الاثنين، 26 ديسمبر 2011

اكتبْ إلى ملاك كنيسة مصر

بينما ندَعَو مِنْ ضِيقِنا الرَّبَّ، ونصَرَخُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، من الْعُمْقِ من قَلْبِ الْبِحَارِ؛ بينما نشكو إليه منه أنه طردنا من أمام عينيه؛ ها وقد اكتنفتنا مياه إلى النفس، احاط بنا غمر، التف عشب البحر برؤوسنا؛ من أسافل الجبال ومن الوهدة – هلموا نختلي بأنفسنا لحظة لنتمعن: هل في النيران الحارقة هذه، التي تلتهم مباني كنائسنا وأجساد اخوتنا، رسالة أخرى غير "اضطهاد الأقباط"؟
نعم، في الاسكندرية وقنا وصول وأبي قرقاص وامبابة والماريناب وماسبيرو ودهشور، اسمع صوت الهنا يبوق لكنيسته: وَأَرُدُّ يَدِي عَلَيْكِ، وَأُنَقِّي زَغَلَكِ كَأَنَّهُ بِالْبَوْرَقِ، وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ،‏وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا فِي الأَوَّلِ، وَمُشِيرِيكِ كَمَا فِي الْبَدَاءَةِ. بَعْدَ ذلِكَ تُدْعَيْنَ مَدِينَةَ الْعَدْلِ، الْقَرْيَةَ الأَمِينَةَ (إشعياء 25:1-26).
وسط الصيحات المتلذذة بتحطيم عظام مَن حملوا اسم المسيح، اسمع أيضاً توبيخاً من آب سماوي محب لكنيسته: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا!‏ هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي.‏ أَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ.‏ فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ (رؤيا 15:3-17، 19).
يرى المسيح مظلمة كنيسته، وفيما هو يمهل مبغضي اسمه القدوس فرصة الرجوع، ينظر إلى كنيسته بعينين دامعتين، فيقول: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ، وَقَدْ جَرَّبْتَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ.‏ وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ. لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ
(رؤيا   2:2-5).
يسمح الله بعصا تأديب لكنيسته – تباينت على مر العصور ما بين معصرة دقلديانوس حتى سيوف ومولوتوف السلفيين وعجلات المدرعات – وبينما ننتفض ألماً، نسمع إلهنا: فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ (رؤيا 3:3).
نعم، نتألم، لكن كلنا ثقة فيمن قال: إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ (رؤيا 19:3)، ووسط انشغالنا بهموم العالم وانهماكنا فيما قد يلهينا عن رسالتنا ككنيسة، يوبخنا الروح: فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا لَيْسَ شَعْبًا، بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ (تثنية 21:32). نعم، لا نستكثر على أنفسنا احتياجنا للتوبة، علينا ككنيسة هي جسد المسيح الحي أن نتوبخ ونصارح أنفسنا: كُلُّ أَبْوَابِهَا خَرِبَةٌ. كَهَنَتُهَا يَتَنَهَّدُونَ. عَذَارَاهَا مُذَلَّلَةٌ وَهِيَ فِي مَرَارَةٍ.‏ صَارَ مُضَايِقُوهَا رَأْسًا. نَجَحَ أَعْدَاؤُهَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَذَلَّهَا لأَجْلِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهَا (مراثي إرميا 4:1-5).
إذاً، هل نقول أن أوجاعنا الآن هي انتقام إله غضوب من معاصي عبيده؟ لا وألف لا! بل هي نخسات إيقاظ وتأديب من فادٍ محب – فالذي اقتنى الكنيسة بدمه (أعمال الرسل 28:20)، والذي جعلنا رَعِيَّةَ اللهِ (1 بطرس 2:5)، والذي اشترانا بثمن (1 كورنثوس 23:7)، بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ (1 بطرس 19:1)، لا يعود فيعاملنا بالانتقام والاقتصاص والشماتة – لكنه يقف ساهراً مؤدباً لنا بالعصا إن لزم الأمر؛ ينبهنا: اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ.‏ تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ (إشعياء 16:1-17).
حينئذ نهب واقفين ِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجعْ إِلَى الرَّبِّ. لِنَرْفَعْ قُلُوبَنَا وَأَيْدِيَنَا إِلَى اللهِ فِي السَّمَاوَاتِ:"نَحْنُ أَذْنَبْنَا وَعَصَيْنَا" (مراثي إرميا 40:3-42).

حقيقي أن الآلام تتربص بالكنيسة لأنها ... كنيسة المسيح! ها مسيحنا يقف فوق الزمان، إذ نطق من ألفي عام منبهاً إيانا: اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ (يوحنا 20:15)، ولكن لتلك العملة وجه آخر نستطيع أن نَصِفَه بالإيجابي، من حيث أنه يهذب ويبني دواخلنا: اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ،‏ عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا (يعقوب 3:1)، وحينئذ يتحقق فينا كلام سيدنا: بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ (لوقا 19:21).
الآن ها نقف ضارعين لإلهنا، طالبين مصلين عن كنيستنا، معلنين وجعنا كبشر ضعاف:
تَبْكِي في اللَّيْلِ بُكَاءً، وَدُمُوعُهَا علَى خَدَّيْهَا. لاَ تَجِدُ رَاحَةً. قَدْ أَدْرَكَهَا كُلُّ طَارِدِيهَا بَيْنَ الضِّيقَاتِ. عِنْدَ سُقُوطِ شَعْبِهَا بِيَدِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ مَنْ يُسَاعِدُهَا. رَأَتْهَا الأَعْدَاءُ. ضَحِكُوا عَلَى هَلاَكِهَا.‏ "انْظُرْ يَا رَبُّ إِلَى مَذَلَّتِي لأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ تَعَظَّمَ".‏ ‏كُلُّ شَعْبِهَا يَتَنَهَّدُونَ. "انْظُرْ يَارَبُّ وَتَطَلَّعْ لأَنِّي قَدْ صِرْتُ مُحْتَقَرَةً".‏"انْظُرُوا إِنْ كَانَ حُزْنٌ مِثْلُ حُزْنِي الَّذِي صُنِعَ بِي، الَّذِي أَذَلَّنِي بِهِ الرَّبُّ يَوْمَ حُمُوِّ غَضَبِهِ؟ ‏مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا. بَسَطَ شَبَكَةً لِرِجْلَيَّ. رَدَّنِي إِلَى الْوَرَاءِ. جَعَلَنِي خَرِبَةً. الْيَوْمَ كُلَّهُ مَغْمُومَةً.‏ نَزَعَ قُوَّتِي. دَفَعَنِي السَّيِّدُ إِلَى أَيْدٍ لاَ أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ مِنْهَا.‏رَذَلَ السَّيِّدُ كُلَّ مُقْتَدِرِيَّ فِي وَسَطِي. دَعَا عَلَيَّ جَمَاعَةً لِحَطْمِ شُبَّانِي. عَيْنِي، عَيْنِي تَسْكُبُ مِيَاهًا لأَنَّهُ قَدِ ابْتَعَدَ عَنِّي الْمُعَزِّي، رَادُّ نَفْسِي. صَارَ بَنِيَّ هَالِكِينَ لأَنَّهُ قَدْ تَجَبَّرَ الْعَدُوُّ".‏ انْظُرْ يَا رَبُّ، فَإِنِّي فِي ضِيق! فِي الْخَارِجِ يَثْكُلُ السَّيْفُ، وَفِي الْبَيْتِ مِثْلُ الْمَوْتِ.‏سَمِعُوا أَنِّي تَنَهَّدْتُ. لاَ مُعَزِّيَ لِي. كُلُّ أَعْدَائِي سَمِعُوا بِبَلِيَّتِي. فَرِحُوا لأَنَّكَ فَعَلْتَ. تَأْتِي بِالْيَوْمِ الَّذِي نَادَيْتَ بِهِ فَيَصِيرُونَ مِثْلِي.‏لِيَأْتِ كُلُّ شَرِّهِمْ أَمَامَكَ. وَافْعَلْ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِي مِنْ أَجْلِ كُلِّ ذُنُوبِي، لأَنَّ تَنَهُّدَاتِي كَثِيرَةٌ وَقَلْبِي مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ.
(من مراثي إرميا 1)
نتنهد نحن، الكنيسة، أمام فادينا:كَلَّتْ مِنَ الدُّمُوعِ عَيْنَايَ. غَلَتْ أَحْشَائِي. انْسَكَبَتْ عَلَى الأَرْضِ كَبِدِي! أيا كنيستي عروس المسيح، يَفْتَحُ عَلَيْكِ أَفْوَاهَهُمْ كُلُّ أَعْدَائِكِ. يَصْفِرُونَ وَيَحْرِقُونَ الأَسْنَانَ. يَقُولُونَ: "قَدْ أَهْلَكْنَاهَا. حَقًّا إِنَّ هذَا الْيَوْمَ الَّذِي رَجَوْنَاهُ. قَدْ وَجَدْنَاهُ! قَدْ رَأَيْنَاهُ" (من مراثي إرميا 2)
إلهي، إلهي، أنا اتوجع وفي ضعف بشريتي أئن تحت حمل صليبي، عَيْنِي تَسْكُبُ وَلاَ تَكُفُّ بِلاَ انْقِطَاعٍ‏ حَتَّى يُشْرِفَ وَيَنْظُرَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. قَدِ اصْطَادَتْنِي أَعْدَائِي كَعُصْفُورٍ بِلاَ سَبَبٍ. قَرَضُوا فِي الْجُبِّ حَيَاتِي وَأَلْقَوْا عَلَيَّ حِجَارَةً. طَفَتِ الْمِيَاهُ فَوْقَ رَأْسِي. قُلْتُ: "قَدْ قُرِضْتُ!". دَعَوْتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ مِنَ الْجُبِّ الأَسْفَلِ (من مراثي إرميا 3).
أَنْتَ يَا رَبُّ إِلَى الأَبَدِ تَجْلِسُ. كُرْسِيُّكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.‏لِمَاذَا تَنْسَانَا إِلَى الأَبَدِ وَتَتْرُكُنَا طُولَ الأَيَّامِ؟ ‏اُرْدُدْنَا يَا رَبُّ إِلَيْكَ فَنَرْتَدَّ. جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ.‏هَلْ كُلَّ الرَّفْضِ رَفَضْتَنَا؟ هَلْ غَضِبْتَ عَلَيْنَا جِدًّا؟‏ (مراثي ارميا 19:5-22)
مثل أيوب اتحاجج معك ربي: مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ؟ وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ نعم، اتعاتب معه، هذا الذي أراه يَسْحَقُنِي بِالْعَاصِفَةِ، وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ. لاَ يَدَعُنِي آخُذُ نَفَسِي، وَلكِنْ يُشْبِعُنِي مَرَائِرَ (أيوب 11:6 و 17:9-18).
إلهي، مَعَ النُّورِ يَقُومُ الْقَاتِلُ، يَقْتُلُ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ، وَفِي اللَّيْلِ يَكُونُ كَاللِّصِّ (أيوب 14:24).
تلاطمنا أمواج الزمن الساحقة، وتجرفنا تيارات العالم الكاسحة وهو كُلُّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ (1 يوحنا 19:5)؛ ها يا سيدي نوء ريح عظيمة والأمواج تضرب إلى السفينة، فأَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟ (مرقس 38:4)
ولكن، بعد النار والريح والزلزلة، نسمع صوت ربنا منخفضاً خفيفاً (1 ملوك 11:19-12)، وإن ارتأى لنا أن يتركنا حيناً نهوى من على مرتفع، فهو لا يتركنا أبداً نرتطم بالأرض!
هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ: أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضَِيْقَتَكَ وَفَقْرَكَ مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ. لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ. كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ (رؤيا 8:2-10).
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي.هنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، هنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ. لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ.‏ هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ (رؤيا 8:3-11).
مرة أخرى، يقف بنا مسيحنا في مواجهة هذا العالم:
هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ،‏لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ.
(متى 16:10-22)
اتقهقر واتهاوى، سيدي، ألا اسرعت ومددت يدك لتمسك بي، بذلك التوبيخ العذب:  يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟ (متى 31:14)
حينئذ اشدو مترنماً:
إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْجُوهُ. طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ. جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ. جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ النِّيرَ فِي صِبَاهُ. يَجْلِسُ وَحْدَهُ وَيَسْكُتُ، لأَنَّهُ قَدْ وَضَعَهُ عَلَيْهِ. يَجْعَلُ فِي التُّرَابِ فَمَهُ لَعَلَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. يُعْطِي خَدَّهُ لِضَارِبِهِ. يَشْبَعُ عَارًا. لأَنَّ السَّيِّدَ لاَ يَرْفُضُ إِلَى الأَبَدِ. فَإِنَّهُ وَلَوْ أَحْزَنَ يَرْحَمُ حَسَبَ كَثْرَةِ مَرَاحِمِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ، وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ. ِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجعْ إِلَى الرَّبِّ. لِنَرْفَعْ قُلُوبَنَا وَأَيْدِيَنَا إِلَى اللهِ فِي السَّمَاوَاتِ: دَعَوْتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ مِنَ الْجُبِّ الأَسْفَلِ. لِصَوْتِي سَمِعْتَ: "لاَ تَسْتُرْ أُذُنَكَ عَنْ زَفْرَتِي، عَنْ صِيَاحِي". دَنَوْتَ يَوْمَ دَعَوْتُكَ. قُلْتَ: "لاَ تَخَفْ!"
(مراثي إرميا 22:3-57)
وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ يُرِيحُكَ الرَّبُّ مِنْ تَعَبِكَ وَمِنِ انْزِعَاجِكَ، أَنَّكَ تَنْطِقُ بِهذَا الْهَجْوِ: "كَيْفَ بَادَ الظَّالِمُ، بَادَتِ الْمُغَطْرِسَةُ؟ قَدْ كَسَّرَ الرَّبُّ عَصَا الأَشْرَارِ، قَضِيبَ الْمُتَسَلِّطِينَ. الضَّارِبُ الشُّعُوبَ بِسَخَطٍ، ضَرْبَةً بِلاَ فُتُورٍ. الْمُتَسَلِّطُ بِغَضَبٍ عَلَى الأُمَمِ، بِاضْطِهَادٍ بِلاَ إمْسَاكٍ. اِسْتَرَاحَتِ، اطْمَأَنَّتْ كُلُّ الأَرْضِ. هَتَفُوا تَرَنُّمًا. رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى، فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ، فَمَنْ يَرُدُّهَا؟‏
(إشعياء 3:14-7 ، 27)
اخوتي واخواتي أعضاء جسد المسيح الحي، اوصانا مسيحنا:
طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ.
سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
(متى 4:5 ، 9-12 ، 38-48)‏
هذه وشبيهاتها من كلمات الحق المُقَدِّس (يوحنا 17:17)، ليست مُثُلاً عليا جافة جوفاء، أو مكارم أخلاق من مُنَظِّر أو مفكر، إنما هي حياة - لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ.‏ َلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ (عبرانيين 15:4-16)؛ فالذي أوصانا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ (مرقس 31:12) قالها رغم أن أَقْرِبَاءَهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا:"إِنَّهُ مُخْتَل!" (مرقس 21:3)، والذي أوصانا: صَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ عاشها في أقسى صورها، مصلوباً، ضارعاً لأجل صالبيه: يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ (لوقا 34:23).
فكلما يشتد بنا الوجع ونصرخ في ضعف بشريتنا: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟‏ (متى 46:27)، نسمعها مدويةً من على جبل الزيتون: هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ (متى 20:28) – قالها ذاك الذي اثبت الزمن ولازال صدقه إذ قال: اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ (متى 35:24).

وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ. (يوحنا 32:8)







الأحد، 25 ديسمبر 2011

فلما سألني صديقي احمد هل في المسيحية قانون عقوبات وحدود، اجبته بالآتي

لا ليس في المسيحية "قانون عقوبات وحدود". ويبقى تساؤل: لماذا؟

(وهنا تنويه واجب إلى أنني دارس يجتهد ولست اتحدث باسم أحد ولا أحمل أي صفة دينية رسمية)


هنالك مبدأ أساسي تنطلق منه المسيحية، وهو قول المسيح في (يوحنا 18: 36) مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. أي أن المسيح وتعاليمه واتباعه هدفهم الأسمى والنهائي ليس امتلاك الأرض والتسلط في هذه الدنيا، إنما هو الاستعداد والتهيؤ لما نسميه نحن المسيحيين "الحياة الأبدية"، لأن: الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ (1 يوحنا 17:2).

لذلك، ليس للمسيحيين "شريعة" بالمفهوم المتداول (قوانين المواريث والجنايات ...الخ)، وأي تشريعات، إن وُجِدَت، تكون ذات أصل لاهوتي أو مدلول روحي، وليست لأجل التشريع في نفسه. فالإيمان المسيحي يركز بالأكثر على داخل الإنسان ودوافعه واهتماماته وضميره؛ فبدلاً من الانشغال، مثلاً، بتحريم وتجريم الزنا وعقابه (وهي مسائل لا يختلف عليها اثنان) نجد الكلام كله منصباً على التسامي بالمرء فوق الشهوة أصلاً، فنقرأ كلام المسيح: قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ (متى 27:5-28).

وعن الطلاق:


فَتَقَدَّمَ (قادة اليهود) وَسَأَلُوهُ:«هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟» فَقَالُوا:«مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ»
(مرقس 2:10-9)

وبدلاً من تقنين القصاص والانتقام، نقرأ:

سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.
(متى 38:5-44)

 وأيضاً:




لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ.
(رومية 17:12-21)

ولا نجد قوائم بما هو نجس من الأطعمة، لأن:

لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. أَلاَ تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَمْضِي إِلَى الْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ؟ وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. وَأَمَّا الأَ كْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ.
(متى 11:15، 17-20)

فالتركيز كل التركيز، كما قلت سابقاً، على تنقية وتجديد الداخل والروح، ليس فقط تقييد أو تبديل التصرفات الخارجية:


أَنْتُمُ الآنَ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالْقَصْعَةِ، وَأَمَّا بَاطِنُكُمْ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافًا وَخُبْثًا. يَا أَغْبِيَاءُ، أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟
(لوقا 39:11-40)

وما أن نضمن تغيير وتصحيح الضمير الداخلي، تكون النتيجة التلقائية والطبيعية تصرفات صائبة سليمة:


اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّدًا، أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا، لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ.
(متى 33:12)

اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ.
(لوقا 45:6)

وتصير سنة الإنسان في معاملته لأخيه الإنسان:


فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ.
(متى 12:7)

وقد حاول قادة اليهود توريط المسيح في مسائل مدنية وسياسية:

قالوا له يا معلم نعلم انك صادق ولا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس بل بالحق تعلم طريق الله. ايجوز ان تعطى جزية لقيصر ام لا. نعطي ام لا نعطي. فعلم رياءهم وقال لهم لماذا تجربونني. ايتوني بدينار لانظره. فاتوا به. فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة. فقالوا له لقيصر. فاجاب يسوع وقال لهم اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
(مرقس 14:12-17)


(من هنا جاء وجوب عدم تدخل الكنيسة ككيان ديني بأي شكل من الأشكال في السياسة!)


ومرة أخرى حاولوا استدراجه إلى الخلط بين المسائل الروحية والعقوبات المدنية:


وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ قَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ. فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا:«يَاامْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:«وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».
(يوحنا 3:8-11)


وحين جاءه شخص يشتكي: يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ، رفض المسيح دور الحاكم المدني، فَقَالَ لَهُ: يَاإِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟، مفضلاً الاهتمام بترتيب اولويات واهتمامات صاحب الشأن، ليسمو بها فوق الماديات، وَقَالَ لَهُمُ:«انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لوقا 13:12-15).

لكن هل معنى هذا الاستغناء عن ضوابط وقوانين وحكومات المجتمعات البشرية؟ لا! فالكتاب المقدس يوجه المسيحيين قائلاً:


لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ. فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ.
(رومية 1:13-7)

مع التنويه بأن هذه التوجيهات كانت في الأساس لمسيحيين يعيشون في ظل اضطهاد الدولة الرومانية.


إجمالاً


 تتعامل المسيحية مع الخطايا والذنوب كمسببات لتصدعات في علاقة الإنسان بالله وتشوه كيان الإنسان:
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟
(1 كورنثوس 9:6، 19)

فالقوانين والعقوبات والدساتير تتغير مع تغير الشعوب والثقافات والحضارات والسياسات، أما الإنسان الذي يضبط إرادته على إرادة ومشيئة الله، فهو في غنى عن فرض تشريعات عليه بقوة القانون. لذا لم نسمع أبداً عن مسيحي في دول الغرب اثار ضجة حول القوانين التي تبيح السكر والجنس الماجن والطلاق الخ، فإن كان غيوراً على دينه بحق، يلتزم بتعاليم إنجيله بغض النظر عن قوانين المجتمع المحيط به (وإن وصل به الأمر إلى بذل حياته في سبيل حفظ وصايا إنجيله) لأن هذه علاقة داخلية بينه وبين الله، أما إن كان مهملاً متكاسلاً فلن تجدي معه قوانين وعقوبات العالم كله، إذ أن داخله لا زال طالحاً.


وأختم بالآية التالية: لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ (لوقا 56:9).


وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ. (يوحنا 32:8)




ردٌ مسيحيٌ على د. ياسر برهامي





قال د. ياسر ضمن ما قال:

الحب عمل قلبي وليس سلوكي... البغضة عمل جوه القلب.

هنا جوهر الاختلاف في النقاش الدائر في الفيديو المعروض، ما بين القس المسيحي ود. ياسر برهامي القطب السلفي. وهذه محاولة مني، كمسيحي، لايضاح جذور الاختلاف بين الطرفين، باعطاء لمحة سريعة عما يؤصله ايماني المسيحي في قضية البغضة والمحبة والضمير والسلوك...

 فبينما يدعو د. ياسر الى "تلوين" السلوك الخارجي بالوان مقبولة مجتمعياً، كالعدل وحسن الجيرة وصون الحقوق، على ان يبقى قلب الانسان مسموماً بالبغضة، ولا يجد د. ياسر حرجاً من ذلك الانفصام ما بين ما يُضمَر وما يُعلَن، يعلمني ايماني المسيحي ان الشعور الداخلي والسلوك الخارجي وجهان لعملة واحدة:

لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ (المرء) فِي نَفْسِهِ هكَذَا هُوَ. (امثال 7:23)

يعلمني ايماني المسيحي ان سلوك الانسان ما هو الا انعكاس ونتاج بواطن قلبه وضميره:

اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ.

(متى 35:12)

صديقي د. ياسر، كيف لانسان ان يضمر البغضة بداخله دون ان يتأثر بها كيانه كله ومقومات شخصيته كلها؟ أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلاَ تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ (امثال 27:6) انت، مثلي، طبيب. الا تعلم ان العوامل النفسية تؤثر حتى في الوظائف العضوية للجسم Psychosomatic disorders ؟ فكم بالاحرى اذاً تؤثر العوامل النفسية (كالبغضة) في بعضها (ضبط وتوجيه السلوك)؟

وبينما يقتنع د. ياسر ان القلب ببواطنه لا يؤثر في سلوك الانسان، يعلمني ايماني المسيحي عكس ذلك تماماً! اذ يحذرني وينبهني:

فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ.

(امثال 23:4)

 وحتى على المستوى الانساني، دون أي توجيه ديني، لا يختلف اثنان على ان النفاق، تلك الخصلة المذمومة، هو اظهار المرء خلاف ما يبطن. والتزاماً بوصايا ايماني المسيحي، لا استطيع ان انافقك فاظهر لك سلوكاً خلاف ما ابطن لك، لأن كتابي المقدس يعلمني ان نفاقي لك هو خراب لشئونك:

بِالْفَمِ يُخْرِبُ الْمُنَافِقُ صَاحِبَهُ. (امثال 9:11)

كيف يا د. ياسر يجني الانسان سلوكاً خارجياً خلاف ما زرعه قناعات قلبيةً؟! يعلمني ايماني المسيحي:

هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. (متى 16:7-18)

‏اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّدًا، أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا، لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ.

(متى 33:12)

وهكذا، يظهر كيف يجب عليّ كمسيحي ان اظهر لك سلوكياً نفس ما ابطنَِه لك قلبياً.

وماذا ابطن لك؟ جوابي هو جواب التساؤل الذي طرحته انت:

هل استطيع ان افرض عليك ان تحب انساناً بعينه او طائفة بعينها؟

لا حاجة اصلاً ان تفرض ذلك عليّ! بل أن ايماني المسيحي اوصاني بالمحبة للجميع دون استثناء! بل جعل ايماني المسيحي تلك المحبة متصلةً اتصالاً مباشراً بايماني وحبي لله!

‏مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.

(1 يوحنا 9:2-11)

مَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. إِنْ قَالَ أَحَدٌ:"إِنِّي أُحِبُّ اللهَ" وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟‏ وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا.‏

 (1 يوحنا 8:4، 16، 20-21)

ومَن هو اخي؟ حدده لي ايماني المسيحي حين اورد في الكتاب المقدس واقعة الرجل اليهودي الذي اراد ان يختبر السيد المسيح، فسأله نفس السؤال:

"يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟" فَقَالَ لَهُ:"مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟" فَأَجَابَ وَقَالَ:"تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ". فَقَالَ لَهُ:"بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا". وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَاَلَ لِيَسُوعَ: "وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟"

فقص عليه السيد المسيح قصة رمزية لانسان يهودي كان مسافراً، فوقع بين لصوص سطوا عليه وتركوه بين حي وميت، وبات ملقياً هكذا حتى مر به رجل سامري – والسامريون كانوا حينذاك الد اعداء اليهود وكان اليهود يعتبرونهم انجاساً ضالين فلا يبادلونهم حتى الحديث – فضمد السامري ذاك جراحه واعتنى به في فندق على نفقته الخاصة. وكانت وصية المسيح الاخيرة للرجل اليهودي الذي ساءله – ولي انا المسيحي: اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا (الواقعة كلها في لوقا 25:10-37).

نعم يا د. ياسر، قريبي واخي الذي يلزمني ايماني المسيحي بمحبته كمثل محبتي لنفسي هو كل انسان، حتى مَن يعتبرني كافراً او نجساً او ضالاً ويضمر لي البغضة وقد يحرَّم حتى ان يسلّم عليّ او يهنئني بعيدي!

انا ابغض من يدعي ان الله عز وجل هو انسان بعينه ونزل وقُتِل وصُلِب في هذه الارض. انا لا استطيع غير  ذلك.

دون الدخول في مهاترات عقائدية لا متسع لها هنا الآن، اقول لك: نعم، مجمل ايماني يعلن لي الهاً: يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا (2 كورنثوس 2:2)، ولا استطيع ان اؤمن بغير ذلك. فانت تبغضني اذاً يا دكتور. وتقول انك لا تستطيع غير ذلك، بل وترى تلك البغضة واجباً تجاه ربك واخلاصاً لدينك. اما انا، فواجبي تجاه ربي والتزامي بوصايا مسيحيتي يتطلبان مني تنفيذ الوصايا الآتية:

سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.

(متى 38:5-44)

وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا.

(لوقا 32:6-33)

فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ".‏لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.

(رومية 20:12-21)

تعلن بسهولة، صديقي د. ياسر، انك تبغضني، ولا ترى حرجاً من تلك البغضة، ولا تجد اشكالاً في تقرير ان الحياة السوية ممكنة في وجود البغضة. اما انا، فيعلمني ايماني المسيحي ان:

اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ، وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ. (امثال 12:10)

نعم حتى وانت، بالنسبة لي، غير مؤمن. فانا ارفض عدم الايمان، لكنني لا ارفض غير المؤمن! كيف ارفض وابغض غير المؤمن، ومقياس ونموذج المحبة الذي احتذيه هو:

وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.

(رومية 8:5)

نعم يا د. ياسر، انت تبغضني، لكن ايماني المسيحي يجعلك في نظري قريباً لي واخاً احبه كنفسي. وليس ذلك الحب بالقول، فما اسهل القول، انما هو حب عامل باذل، حدده لي الكتاب المقدس في الآتي:

بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟‏ يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!

(1 يوحنا 16:3-17)

فقد انحنى السيد المسيح وغسل ارجل تلاميذه من تراب الطريق، ثم اوصاني:

فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ.

(يوحنا 14:13-17)

واخيراً اختم بقول المسيح لكل مَن له اذنان للسمع:

وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ. (يوحنا 32:8)