الجمعة، 30 مارس 2012

الكتاب المقدس – هل من منافس؟ التحريف: شبهة وهمية - تقديم

اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ، فَيَأْتِي رَفِيقُهُ وَيَفْحَصُهُ.‏
(الأمثال 17:18)
مقدمة ضرورية

مشكلة مَن يطرح اسئلة التناقض وما إلى ذلك أنه يتعامل مع الكتاب المقدس بروح ومنهج التعامل مع القرآن. فالكتاب المقدس له رؤية محددة لما هو "كتاب مقدس"، ومنهج محدد لقراءته. فهذه الحقيقة ستكون صادمة للمؤمن بالقرآن: الكتاب المقدس في روحه وجوهره وليس في نصه وحروفه!

طبعاً هذا مفهوم يختلف تماماً عن مفهوم القرآن. فالقرآن عند المؤمنين به نص منزل من السماء، أما المسيحية فليس لديها "نص منزل" من السماء. نصوص الكتاب المقدس كتبها بشر!

يرى المؤمنون بالقرآن أن "الوحي" المنزل هو نوع من الاملاء dictation ليس للموحي إليه أي دخل فيه سوى توصيل الكلام. فهو بمثابة "مسجل" يسمع فيحفظ فيردد. أما المسيحية فليس فيها من هذا على الاطلاق. الوحي في المسيحية، والذي هو الروح القدس، يحفظ الحقيقة الروحية الالهية المعلنة في كمال نقائها وقوتها ومصداقيتها، ليعبر عنها الكاتب باللغة والاسلوب المتاحين له هو شخصياً، حسب ثقافته ولغته واسلوبه.

بالنسبة للبشائر الأربعة، تنشأ اعتراضات الناقد عليها من عدم فهمه لرسالتها. ليس هدف البشائر عرض سيرة المسيح؛ فكل الاحداث المذكورة في البشائر الاربعة يمكن حصرها في فترة حوالي 35 يوم، بينما امتدت حياة المسيح على الأرض حوالي 33 سنة. لكل بشير من الاربعة اطار عام يكتب فيه، وعلى اساسه ينتقي المادة التي يقدمها.

ينسى المعترض نقطة بديهية، وهو أن الهدف من وجود أربع بشائر لا يمكن أن يكون لسرد نفس الأحداث بنفس التفاصيل عينها! فما الفائدة من وجود أربع نسخ متطابقة لنفس الوقائع؟ انما يسرد كل كاتب الأحداث وفق توجيه الروح القدس له، مركزاً على تفاصيل دون الأخرى حسب سياق واطار لاهوتيين يرسمهما له الروح القدس. مثلاً، حادثة اغتيال السادات، حين يرويها طبيب شرعي فهو يهتم بعدد الجروح واماكن خروج ودخول الطلقات واسباب الوفاة، اما المحلل السياسي فيهتم بدوافع المتهمين والخطط التي نفذوها والمؤامرات التي دبروها، بينما يهتم الأديب بالبعد العاطفي فيسجل آخر كلمات نطق بها القتيل، ومحاولات من حوله حمايته باجسادهم، في حين يلتزم ظابط الجيش بجرد انواع السلاح المستخدم والطلقات الخ. هكذا، يعرض كلٌ لمحة من الحقيقة، فلا الواحد يناقض الآخر، ولا الواحد يكفي دون الآخر. بل ان التطابق الشديد بين الروايات قد يحرك الهواجس احياناً، فيتشكك المستمع أن الرواة قد تم تلقينهم القصة ليرددوها فقط لا غير، دون ان يكونوا شهود عيان.






جاءت هذه الاعتراضات في منتدى صوت الحق تحت عنوان "تناقضات الكتاب المقدس - ضربة على رأس الكنيسة بشعبها" (اضغط). اغلب الاعتراضات مترجمة عن مقال نقدي لشبير علي
Shabbir Ally، قدم فيها – على حد قوله – 101 تناقض في الكتاب المقدس، تدل على أنه مؤلَف بشري بحت، أو على احسن تقدير، كتاب محرف عن اصله الالهي.


سقط شبير علي وغيره من المنتقدين في خطأ فادح، حين حاولوا مهاجمة الكتاب المقدس بناء على فهمهم للنص العربي أو الانجليزي، ونسوا ان الفيصل هو النص في اللغة الأصلية، اليونانية (العهد الجديد) والعبرية (العهد القديم)، إلى جانب خلفيات النصوص الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية، فخرجت اغلب اعتراضاتهم ركيكة سطحية، تكفي نظرة سريعة على نص الكتاب المقدس في لغتيه الأصليتين لدحضهما. وإمعاناً في إظهار منهجيتنا وصدق حججنا، ها هي نصوص الكتاب المقدس في لغاتها الأصلية:
  • العهد الجديد (اليونانية) (هنا)
  • العهد القديم (العبرية) (هنا)
  • معجم اللغة اليونانية (هنا)
  • معجم اللغة العبرية (هنا)
نبدأ بتفنيد هذه الادعاءات على عدة حلقات، مستعينين بعدة مراجع لدارسين بذلوا جهدهم العلمي الراقي، نشكرهم عليه، وان كنا نعجز عن ذكرهم كلهم بأسمائهم. ثم نختم السلسلة بدراسة مختصرة لتاريخ مخطوطات الكتاب المقدس وترجماته، والتي تكشف كيف أن النص الذي بين أيدينا اليوم هو هو الذي اوحى به روح الله القدوس لأنبيائه ورسله الأطهار على مدار السنين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق