الأربعاء، 4 أبريل 2012

الكتاب المقدس – هل من منافس؟ التحريف: شبهة وهمية 1: أسبوع الآلام

العهد الجديد
تنشأ اعتراضات الناقد على البشائر الأربعة من عدم فهمه لرسالتها. يتعامل المعترض معها على أنها تأريخ لسيرة حياة المسيح، تنقل تفاصيل حياته وتحفظها لمن يأتون بعده. ليس هدف البشائر عرض سيرة المسيح؛ فكل الاحداث المذكورة في البشائر الاربعة يمكن حصرها في فترة حوالي 35 يوم، بينما امتدت حياة المسيح على الأرض حوالي 33 سنة، كما قال يوحنا: "وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ" (يوحنا 25:21). كُتِبَت البشائر كي يدخل المؤمنون جميعاً إلى شركة معرفة الله في الإبن المتجسد يسوع المسيح، كما كتب يوحنا أيضاً في رسالته الأولى: "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً (1-4).
لكل بشير من الأربعة اطار عام يكتب فيه، وعلى اساسه ينتقي المادة التي يقدمها.
  1. يقسم متى البشير مكتوبه إلى خمسة أقسام، كل منها يحتوي على سرد لعدة وقائع ثم خطاب على لسان المسيح، لذا يميل إلى تدوين الأحداث والأقوال من منظور "موضوعي" thematic أكثر منه تأريخي. بشارة متى هي بشارة "تحقق نبوات العهد القديم في حياة المسيح".
  2. يكتب مرقس لقراء يونانيين في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، لذا ركز على مواقف القوة والمعجزات في خدمة المسيح، كما اهتم بشئ من التفصيل والإيضاح للطقوس اليهودية التي يذكرها، كي يفهمها قراؤه من غير اليهود.
  3. يكتب لوقا مركزاً على البعد الإنساني في شخص المسيح، مبرزاً عطفه على المساكين والمتعبين والمطرودين. يتميز لوقا بتأريخه الأدق بين البشائر.
  4. يكتب يوحنا بشارة غنية بتعاليم المسيح اللاهوتية، فهو آخر الأربعة في كتابة بشارته، فكان اهتمامه منصباً على الأبعاد الأعمق في تعاليم المسيح، بعد أن استقرت تعاليم البشائر الثلاثة الأخرى في وعي المسيحيين.   

جملة افتراءات على روايات أحداث أسبوع الآلام. قال المعترض:
1.      عندما دخل يسوع أورشليم هل قام بتطهير الهيكل في نفس اليوم. نعم (متى 12:21-13) أم لا (مرقس 1:11-17).
هذا اعتراض يتكرر من المنتقد مع نصوص مختلفة، وهو نابع عن جهل المعترض بالإطار العام لكل بشارة (انظر أعلاه).
في هذه الواقعة، نشير إلى أن نص متى لم يذكر أبداً أن المسيح طهر الهيكل في نفس اليوم كما ادعى المعترض، بل سرَدَ متى الواقعتين متتابعتين لا أكثر ولا أقل. ها هو النص يتحدث عن نفسه:
وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ‏ قَائِلاً لَهُمَا:"اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا". فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: "قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ". فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلاَ كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ:"أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!".‏ وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً:"مَنْ هذَا؟" فَقَالَتِ الْجُمُوعُ:"هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ". وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ وَقَالَ لَهُمْ:"مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!"‏
أما مرقس البشير، فيفصل في سبع آيات (11:17-17) ما أجمله متى في آيتين، قائلاً:
فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا:"لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!". وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُون. وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ:"أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ". 
2.      في حادثة لعن شجرة التين:
أولاً: جاء في (متى 18:21-22) أن المسيح لعن شجرة التين بعد أن قام بتطهير الهيكل وطرد الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه، ونجد عكس ذلك في (مرقس 12:11-24)، أن المسيح لعن شجرة التين قبل أن يكون قد طهر الهيكل من الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه!
انظر ردنا على الاعتراض السابق.
ثانياً: نجد في رواية مرقس أن المسيح لعن شجرة التين وان التلاميذ ومنهم بطرس علموا أنها يبست في "اليوم التالي" عندما رأوا الشجرة يابسة وهم راجعون الي المدينة، بينما نجد عكس ذلك في رواية متى فهو يحكي وقوع جميع الاحداث في "نفس اليوم" وأن الشجرة يبست في الحال وان التلاميذ رأوا ما جرى وقالوا: كيف يبست التينة في الحال؟
يوضح متى البشير أن التينة يبست "فِي الْحَالِ"، أما مرقس فيذكر أنهم في اليوم التالي رأوا "التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ" = ek rizon = من الجذر. رواية مرقس مكملة بتفصيلها لرواية متى. لم يذكر مرقس على الإطلاق أن التيبس لم يحدث في اليوم الأول، بل ذكر أن التيبس في الوم التالي كان حتى جذر التينة.
3.      جاء في (متى 17:16) أن المسيح كافأ بطرس و أعطاه تفويضاَ مطلقاً قائلاً له: طُوبَى لَكَ يَاسِمْعَانَ بْنَ يُونَا. فَمَا أَعْلَنَ لَكَ هَذَا لَحْمٌ وَدَمٌ، بَلْ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَيْضاً أَقُولُ لَكَ: أَنْتَ صَخْرٌ. وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا! وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ، يَكُونُ قَدْ رُبِطَ فِي السَّمَاءِ؛ وَمَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ، يَكُونُ قَدْ حُلَّ فِي السَّمَاءِ! هذه مكرمة عظيمة وأفضلية كبيرة منحها المسيح عليه السلام لبطرس، ولا يمكن أن يكون المسيح قد قال هذا الكلام بدون وعي أو إدراك لمضمونه .ولكن للأسف، ومما يثبت فساد الاناجيل أنه بعد هذا النص وفي نفس الاصحاح نجد نصاً آخر ينسب إلي المسيح متعارضاَ مع النص السابق يقول فيه المسيح لبطرس: "ابتعد عني يا شيطان انت عقبة في طريقي" (متى 23:16)!
لقد نسي متى التوفيق بين ما سطره في اصحاح واحد جعل فيه بطرس وكيلاً للمسيح يحل ويربط كيف يشاء، وجعله في نفس الاصحاح شيطاناً ومعثرة للمسيح!

فسر المعترض النصين على هواه، ثم انطلق في اعتراضه!
لا يعلم المعترض أن إعلان المسيح " إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" هو منطبق على كل مسيحي، ليس فقط بطرس الرسول لأنه قال "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!". فالكتاب المقدس يعلن: "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ:"يَسُوعُ رَبٌّ" إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1 كورنثوس 3:12). ليس اختيار المسيح لأيٍ منا – بما فينا بطرس الرسول نفسه – راجعاً لتفوقنا أو تديننا أو التزامنا، "لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ" (تيطس 5:3).
يتعامل المعترض مع اعتراف بطرس الرسول بألوهية المسيح ورد المسيح عليه على أنهما تفوق والثواب المقابل له، بينما في الحقيقة كان اعتراف بطرس الرسول واختيار المسيح له صخرةً لبناء الكنيسة هبةً من السماء، كما يعلمنا الكتاب المقدس: "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ" (يعقوب 17:1).
ويأتي توبيخ المسيح شديد اللهجة لأن "بطرس أخفق في كيف ستُبنى الكنيسة إخفاقاً شنيعاً. فقد حسب أنها ستُبنى عليه كتلميذ المسيح المحبوب، على أساس المسيح مسيَّا المعلِّم صانع الخيرات. ولم يدر أن موت المسيح الذي أراد أن يتحاشاه (بطرس) هو أساس البنيان كله والصليب هو قوة الخلاص العتيد أن يكون. "أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي" بالقول الذي قاله أصبح بطرس عثرة للصليب، لأنه يجسد فكرة التخلي عن الخلاص. لذلك نحّاه المسيح تماماً من طريقه. وربما كان المسيح أقل عنفاً مع الشيطان نفسه لأنه يدرك قصده وأسلوبه. أما بطرس هنا فهو يتكلم من موقف المحبة والطاعة والخدمة، وهنا الخطورة التي حتَّمت الحسم. "لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ" هذا هو شكل العثرة التي حبك الشيطان موضعها على يد تلميذ مُخلِص ولكنه غير واع. كان يجري وراء مسرة ومظهر خارجي وهو لا يعلم أن بدون موت المسيح ستكون له دينونة وغضب إلهي. فإذا سأل إنسان في تعجبه كيف صارت صخرة الإيمان التي بُنِيَت عليها الكنيسة صخرة عثرة، فذلك لكي تفهم وتتيقن أن صخرة الكنيسة ليست بطرس، ولكن المسيح الذي في بطرس الذي جاز على الروح القدس وعاد إلى أخوته!" (الأب متى المسكين من كتابه الإنجيل بحسب القديس متى دراسة وتفسير وشرح)
4.      أورد (متى 1:26-13) و (مرقس 1:14-9) و (لوقا 36:7-39) و (يوحنا 1:12-4) قصة المرأة التي أفرغت قارورة الطيب على المسيح، لكنهم وقعوا في اختلافات واضحة :

أولاً: حسب رواية مرقس أن المرأة أفرغت قارورة الطيب في منزل سمعان الأبرص في بيت عنيا (3:14)
لكن حسب رواية لوقا ان ذلك حدث في بيت الفريسي (36:7)، وحسب رواية يوحنا أن ذلك حدث في منزل مريم ومرثا ولعازر (1:12-2).
يخطئ المعترض حين يظن أن الروايات الأربعة تسرد نفس الواقعة! فواقعة لوقا تروي قصة "امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ" (37:7-38)، والتي انتهت بغفران المسيح لخطايا تلك المرأة (آية 48).
هذه واقعة أخرى تماماً غير واقعة المرأة التي جاءت "مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ" (متى 7:26) حين كان المسيح "فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ" (آية 6)، أو كما روى مرقس "وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ" (3:14)، والتي كان تصرفها هذا، كما وصفه المسيح، لأجل تكفينه (متى 12:26) و (مرقس 8:14). ثم يفترض المعترض أن رواية يوحنا تضع الأحداث "في منزل مريم ومرثا ولعازر"، بينما صواب النص كالآتي:
"ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَصَنَعُوا (لم يحدد مَن الذي صنعوا) لَهُ هُنَاكَ (أي في بيت عنيا. لم يحدد بيت شخص معين) عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ (أي أحد الحاضرين – كيف يوصف صاحب الدار، كما يزعم المعترض، بأنه أحد الحاضرين؟). فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا" (يوحنا 1:14-3).
ثانياً: حسب رواية مرقس أن هذه القصة حدثت قبل عيد الفصح بيومين (1:14)، ولكن حسب رواية يوحنا أن هذه القصة حدثت قبل الفصح بستة أيام (1:12).
مرة أخرى يتلاعب المعترض بالنص. دون الرجوع للنص اليوناني حتى، تذكر رواية يوحنا صراحة أن وصول المسيح إلى بيت عنيا كان قبل الفصح بستة أيام: "ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا"، بينما تذكر رواية مرقس أن الوليمة في بيت سمعان الأبرص كانت قبل الفصح بيومين "وَكَانَ الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا:"لَيْسَ فِي الْعِيدِ، لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ". وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ... إلخ". يعزز رواية مرقس قول (متى 1:26-7) "وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: "تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ". حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا:"لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ". وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ... إلخ".
إذاً، بالتكامل بين ما سبق، نجد أن تفاصيل القصة هي كالآتي: وصل يسوع إلى بيت عنيا قبل الفصح بستة أيام. قبل الفصح بيومين، دعاه سمعان الأبرص لوليمة، وكان من المدعوين لعازر ومريم ومرثا.
ثالثاً: حسب رواية مرقس ان المرأة بعد أن كسرت القارورة استاء قوم لإسرافها (4:14)، لكن حسب رواية يوحنا أن الذي استاء هو يهوذا الاسخريوطي (4:12).
يجمل مرقس ما فصله يوحنا؛ فبينما يكتفي مرقس بقول "وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا:"لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هذَا؟ لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ". وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا (مرقس 4:14-5)، أما يوحنا فيفصل ويحدد "فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: "لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟"‏ قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ" (يوحنا 4:12-6).
رابعاً: عند يوحنا (12:12) أن قصة المرأة التي سكبت قارورة الطيب على جسد المسيح حدثت قبل أن يدخل المسيح أورشليم راكباً على الجحش. لكن عند متى (1:21) أنها حدثت بعد دخول المسيح لأورشليم راكباً على الجحش .
بالعودة أيضاً إلى النص بدقة، نجد أن يوحنا فقط هو الذي يقدم بيانات تحدد التواريخ بدقة:
·         مجئ المسيح إلى بيت عنيا: قبل الفصح بستة أيام (يوحنا 1:12).
·         الوليمة في بيت سمعان الأبرص مع لعازر ومرثا ومريم: قبل الفصح بيومين (متى 1:26).
·         دخول المسيح أورشليم: في غد وليمة سمعان الأبرص، أي قبل الفصح بيوم (يوحنا 12:12).
أما بشارة متى، ووفق سرده الموضوعي thematic للأحداث (لا الزمني chronological)، فهو يذكر في (17:20) بدء صعود المسيح إلى أورشليم، وفي (1:21-11) دخول المسيح إلى أورشليم، ثم أنه بات في بيت عنيا (17:21)، وأنه عاد إلى أورشليم في الصباح التالي (18:21)، ويعقب ذلك أربعة إصحاحات من كلام المسيح. وحين يأتي ذكر حادثة سكب الطيب، يقول متى بالنص: "وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ" (متى 6:26) – أي الذكر الأخير لبيت عنيا في الأصحاح 21. فقد سرد متى قصة المرأة ساكبة الطيب بعد أن سرد دخول المسيح أورشليم، لكنه نوه إلى أنها حدثت في بيت عنيا، لكنه لم يقل أبداً أن الواقعة حدثت بعد دخول المسيح أورشليم.
  ومن الأمثلية الأخرى على اتباع متى اسلوباً موضوعياً في سرد الوقائع متتالية، أنه يجمع في الإصحاحات 5 و6 و7 ما يُعرف باسم "الموعظة على الجبل" في سرد متواصل، بينما يفصل لوقا في الإصحاح 6 أن المسيح صعد إلى الجبل ليصلي، ثم في النهار دعا تلاميذه، ثم وقف يتكلم فيهم في موضع سهل (لاحظ أنه قال "مَوْضِعٍ سَهْل" وهي ترجمة
 topou pedinou
باليونانية = موضع مستوي السطح، وليس سهلاً بمعنى منخَفَض دون الجبل؛ وهذا الرد على اتهام آخر بأنها تتعارض مع "وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ" الواردة في متى 1:5).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق