السبت، 14 أبريل 2012

إنجيل برنابا - سلاح ذو حدين

سألت صديقاً لي مسلماً ذات مرة: هل لإنجيل برنابا قيمة عقائدية فعلية عند علماء المسلمين أم هي فقط عند "العوام"؟ فأجابني: عقائديًا لا يفرق كثيراً، هو مجرد دليل على صحة إيماننا مع أشياء أخَر كثيرات في الإيمانيات؛ بمعنى إنه يثبت العقيدة ولا ينفيها.

ليس ما يأتي دراسة مستفيضة ولا متكاملة للإنجيل المزعوم على الإطلاق، بل هو نبذة قصيرة ولمحات بسيطة وجولة سريعة عنه وفيه. وليست دراستنا له من وجهة نظر عقائدية مسيحية، بل من منظور علمي حيادي بحت، من واقع القرائن التاريخية. من خلالها يظهر أن هذا الكتاب ما هو إلا مؤلَّف أدبي ركيك يرجع إلى أوروبا أواخر العصور الوسطى. سيصل القارئ في النهاية إلى أن الكتاب مخجل في محتواه، بل سيتبرأ القارئ المسلم من أيٍ وكلِ ما جاء فيه، ويتخلى عن فكرة أنه "الإنجيل الأصلي السليم الذي يشهد للإسلام ورسوله"! 


نشجع القارئ الكريم على التحري بنفسه في المراجع الموثوق في علميتها وحيادها من كل كلمة نسوقها في نبذتنا هذه. لتحميل نص كتاب "إنجيل برنابا"، إضغط (هنا). فإلى عدة ملاحظات بسيطة ومختصرة على محتويات الإنجيل المزعوم.


أقدم نسخ الإنجيل المزعوم مخطوطة إيطالية ترجع إلى القرن الـ15 أو الـ16، ولا نجد أي استدلال به أو حتى ذكر له في كتابات علماء المسلمين قبل القرن الـ15 ممن كتبوا في نقد المسيحية، مثل إبن تيمية وإبن حزم الأندلسي. في المقابل، نجد مخطوطات مطابقة للكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم تعود إلى أوائل القرن الثاني الميلادي (راجع هنا)، كما أن اقتباسات "الآباء الرسوليين" (علماء المسيحية في الفترة من 90-160م) من الكتاب المقدس في كتاباتهم تطابق في نصوصها ما بين أيدينا اليوم تماماً (قريباً دراستنا عن مخطوطات الكتاب المقدس).


ملحوظة: "إنجيل برنابا" هذا غير "رسالة برنابا"، وهي نص تراثي يرجع أول ذكر له إلى القرن 2 للميلاد (راجع هنا).

  
يناقض القرآن

  1.   بينما يعلن القرآن أن عيسى إبن مريم هو المسيح "إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" (آل عمران 45)، جاء في الإنجيل المزعوم في الفصل 42 "فاعترف يسوع وقال: الحق إني لست مسيا" (مسيا = المسيح بالعبرية؛ أنظر أيضاً رقم 1 في الأخطاء التاريخية والجغرافية) بل يذهب الكاتب إلى ما لم يذهب إليه الإسلام نفسه، إذ يقول أن المسيح هو محمد! فكتب في الفصل 97 "فقال حينئذ الكاهن: ماذا يسمى مسيا..؟ أجاب يسوع:... إن اسمه المبارك محمد".
  2. بينما يحلل الإسلام تعدد الزوجات "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ" (النساء 3)، شرَّع كاتب الإنجيل المزعوم أن تكون الزوجة واحدة فقط، فكتب في الفصل 115 "فليقنع الرجل إذاً بالمرأة التي أعطاها إياها خالقه ولينس كل إمرأة أخرى".
  3. بينما يعلن القرآن صراحة أن العذراء مريم ولدت المسيح بآلام طلق شديدة "فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" (مريم 22 و23)، جاء في الإنجيل المزعوم أن العذراء ولدت المسيح بلا ألم؛ كٌتِبَ في الفصل 3 "فأحاط بالعذراء نور شديد التألق، وولدت إبنها بدون ألم".
  4. يعلن القرآن بصريح النص أن عدد السماوات سبعة: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (الإسراء 44). أما الكتاب الذي نحن بصدده، فيقول أن السماوات تسعة! الفصل 178 "الحق أقول لك أن السماوات تسع".



أخطاء تاريخية وجغرافية


  1. يبدأ النص بقول: "برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح"، ولكن في الفصل 42 يقول: "فاعترف يسوع وقال: الحق إني لست مسيا". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن "المسيح" هي ترجمة اليونانية Christos والعبرية "مسيا"! لو كان برنابا المزعوم من أهل القرن الأول الميلادي فعلاً لكانت تلك المعلومة (المسيح = مسيا) من بديهيات معرفته.
  2. جاء في الفصل 3 "كان هيرودس في ذلك الوقت ملكاً على اليهودية بأمر قيصر أوغسطس، وكان بيلاطس حاكماً في زنم الرياسة الكهنوتية لحنان وقيافا، فعملاً بأمر قيصر اكتتب جميع العالم." مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن هيرودس وبيلاطس لم يحكما في نفس الوقت على الإطلاق، بل حكم بيلاطس في الفترة 26-36م (راجع هنا)، بينما حكم هيرودس الكبير في الفترة 37-4 ق.م. (راجع هنا). لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟
  3. جاء في الفصل 20 "وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في المركب مسافراً إلى الناصرة مدينته". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن الناصرة تبعد عن بحر الجليل بحوالي 25 كم، وتقع على سلسلة مرتفعات تعلو عن سطح البحر بحوالي 490م (راجع هنا)! لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث ومن أهل القدس القديم فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟
  4. جاء في الفصل 97 "فأجاب حينئذ الكاهن مع  الوالي والملك:... سنكتب إلى مجلس الشيوخ الروماني المقدس بإصدار ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد الله أو إبن الله". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن مجلس الشيوخ الروماني Roman senate (راجع هنا) كان هيئة سياسية لا صلة لها بالشئون الدينية، بل كان مسئولاً عن السلطة التنفيذية في الدولة الرومانية، ومجلساً للشورى للملك، وهيئة تشريعية! بل كان ولاة الرومان يترفعون عن التدخل في قضايا اليهود الدينية، كما جاء في الكتاب المقدس: "وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ، قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى بُولُسَ، وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ قَائِلِينَ: إِنَّ هذَا يَسْتَمِيلُ النَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِخِلاَفِ النَّامُوسِ. وَإِذْ كَانَ بُولُسُ مُزْمِعًا أَنْ يَفْتَحَ فَاهُ قَالَ غَالِيُونُ لِلْيَهُودِ: لَوْ كَانَ ظُلْمًا أَوْ خُبْثًا رَدِيًّا أَيُّهَا الْيَهُودُ، لَكُنْتُ بِالْحَقِّ قَدِ احْتَمَلْتُكُمْ. وَلكِنْ إِذَا كَانَ مَسْأَلَةً عَنْ كَلِمَةٍ، وَأَسْمَاءٍ، وَنَامُوسِكُمْ، فَتُبْصِرُونَ أَنْتُمْ. لأَنِّي لَسْتُ أَشَاءُ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا لِهذِهِ الأُمُورِ (أعمال الرسل 12:18-15). لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث في القرن الأول الميلادي فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟


   
أدلة على أن كاتب الإنجيل المزعوم عاش في أوروبا في القرن الـ14 للميلاد

  1.    كتب مؤلف الكتاب على لسان المسيح في الفصل 82 "حتى إن سنة اليوبيل التي تجئ الآن كل مئة سنة سيجعلها مسيا كل سنة". بينما الحقيقة أن سنة اليوبيل تلك هي في الأصل عيد يهودي يُحتَفَل به كل خمسين سنة (راجع هنا)، كما جاء في التوراة "وَتُقَدِّسُونَ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ، وَتُنَادُونَ بِالْعِتْقِ فِي الأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا. تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً، وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ، وَتَعُودُونَ كُلٌّ إِلَى عَشِيرَتِهِ. يُوبِيلاً تَكُونُ لَكُمُ السَّنَةُ الْخَمْسُونَ" (لاويين 10:25-11). في 22 فبراير 1300م، قرر بابا روما بونيفاس الثامن أن يحتفل المسيحيون بسنة اليوبيل كل مئة سنة خلافاً لليهود، وتكون تلك سنة "لغفران الخطايا العام" (راجع هنا). وظل هذا القرار، قرار اليوبيل المئوي، سارياً حتى عهد كليمنت السادس بابا روما، والذي قرر أن يحتفل بسنة اليوبيل عام 1350م، ثم تغيرت فترة اليوبيل تلك من بابا للآخر (تراوحت ما بين 33 و 50 سنة)، إلى أن استقرت على 25 سنة منذ أيام البابا بولس الثاني (1464-1471م). إذاً، ففي تاريخ المسيحية كلها، كانت سنة اليوبيل معروفة أنها تقع كل 50 سنة، إلا في الفترة ما بين 1300-1350م، وهي الفترة الوحيدة التي سرى أثناءها قرار بابا روما بأن يكون اليوبيل "كل مئة سنة"؛ واضح أن مؤلف إنجيل برنابا عاش وكتب في الفترة ما بين 1300-1350م.
  2.    كتب مؤلف الكتاب على لسان المسيح في الفصول 106 و135 و178 أوصافاً للجحيم وعذاباته تتطابق تماماً في تفاصيلها مع وصف دانتي في ملحمته الرائعة "الكوميديا الإلهية" للجحيم وعذاباته، تطابقاً لا ينتج إلا عن قراءة المؤلف للملحمة، إذ أنها تفاصيل فلسفية تخيلية لم تأتِ إلا بقلم دانتي، الذي وضع ملحمته في الفترة من 1308-1321م. جدير بالذكر أن بعض النقاد رجحوا أن يكون دانتي نفسه متأثراً في بعض ما كتب بالأدبيات الإسلامية، مثل كتابات إبن عربي، وقصة الإسراء والمعراج، و "كتاب المعراج" لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري.
  3.     جاء في الفصل 3 "فأحاط بالعذراء نور شديد التألق، وولدت إبنها بدون ألم"، وهي فكرة ظهرت أول ما ظهرت في فلسفات المسيحيين على يد توما الإكويني (1225-1274م) (راجع هنا).
  4.     جاء في الفصل 152 "ففي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غُسِلَت لتُملأ ثانية خمراً". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن استخدام البراميل الخشبية لحفظ الخمر (والمياه) لم ينتشر في الإمبراطورية الرومانية إلا في بلاد الغال (فرنسا وبلجيكا الآن) وشمال إيطاليا منذ عام 300م. أما في فلسطين في القرن الأول الميلادي، فكانت الخمر تُحفَظ في الأجران (فخارية أو حجرية) amphorae أو في الزِقاق الجلدية (راجع هنا وهنا). لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث في القرن الأول الميلادي فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟ جدير بالذكر أن بشائر الكتاب المقدس الحقيقية تذكر هذه التفاصيل الدقيقة صواباً، إذ قال المسيح في (متى 17:9) "وَلاَ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَنْشَقَّ الزِّقَاقُ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعًا"، وفي (يوحنا 2:6) "وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً".



وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ.
(يوحنا 32:8)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق