السبت، 14 يوليو 2012

سألني أحمد: لماذا خلق الله الإنسان؟

ضمن حوار اليكتروني جميل دار بيني وبين أحد الأصدقاء المسلمين، أرسل إلي صديقي أحمد منصور السؤال التالي:



لماذا خلق الله الخليقة بالذات الإنسان؟ لماذا ابتدأ حياة دون حياته؟ بم تجيب؟



فكان ردي الذي ارسلته إليه كالآتي:


لأن "اللهَ مَحَبَّةٌ"(1 يوحنا 8:4)، أي أن طبيعته محبة، من الطبيعي له أن "يحب"؛ فكما أن مجد ينبوع الماء أن يفيض ويروي ما حوله، مجد ينبوع المحبة الإلهية أن تفيض على خليقة تكون موضوع تلك المحبة! فكان أن خلق الله الإنسان ليكون موضوعاً لتلك المحبة الإلهية وشريكاً فيها. كما يقول الله في الكتاب المقدس مخاطباً الإنسان: "مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ" (إرميا 3:31)، أي أن محبة الله لإنسان "أبدية" من أبدية الله وليست مرتبطة فقط بنشوء الإنسان – لأن "الله محبة." وإلى هذا المعنى يذهب ما يُقال في صلوات القداس:


الذي من أجل الصلاح وحده، مما لم يكن كونت الانسان.
ليس شئ من النطق يستطيع أن يحد لجة محبتك للبشر. خلقتنى إنساناً كمحب للبشر، من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن. لم تدعني معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك. أنت الذي جبلتني. ووضعت يدك علي. وكتبت في صورة سلطانك.


ومن فيض محبة الله الغير محدودة، أنه خلق الإنسان في أقرب حالة إليه ، ما خلا – قطعاً – الخصال الإلهية المطلقة. لذا يقول الله في الكتاب المقدس عن خلقته للإنسان: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تكوين 26:1)، و "تَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" (مزمور 5:8-6). فالمحبة "لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ" (1 كورنثوس 4:13)، لذا لم يتحرج الله، المحبة، أن يبتدئ حياة دون حياته، بل وتكون تلك الحياة على صورته كشبهه، مجيدة متوجة بالبهاء ومتسلطة – بمجد وبهاء ينبعان من الله ذاته الذي هو مصدر وأساس ومنبع حياة الإنسان – على الخليقة بأسرها! فليس في ذلك تقليلاً من ذاته ولا جرحاً لعزته و جلالته. فالمحبة – التي هي طبيعة الله – لا تعرف التفاخر والانتفاخ والذاتية.


وقد يعترض معترض بأن كون الإنسان موضوع محبة الله يجعل الله محتاجاً للإنسان! وحاشا لله أن يكون محتاجاً إلى خليقة تكمله! وهو اعتراض في محله، لمن لا يعرف المفهوم المسيحي لطبيعة الله. وهو يعود بنا مرة أخرى إلى الآية القائلة بأن الله محبة. فتلك العبارة هي تقرير لطبيعة الله! فليست المحبة صفة يتصف بها الله، إنما هي طبيعته.


فبما أن الله محبة بطبيعته، يستوجب الكمال الإلهي أن يكون في طبيعة الله "المحب" و"المحبوب" في آن؛ وهذا مدلول قول الكتاب المقدس:


  • "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متى 17:3) (أقنوم الآب متحدثاً عن أقنوم الإبن)
  • "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي.‏ إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ" (يوحنا 9:15-10) (المسيح، أقنوم الابن، محدثاً المسيحيين)
  • "‏وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ. قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يوحنا 5:17، 22-24) (المسيح، أقنوم الابن محدثاً أقنوم الآب)



وهذا لب عقيدة الثالوث والوحدانية: المحبة توحد الأقانيم ثالوثاً في إله واحد وإلهاً واحداً في ثالوث. فالثالوث ضرورة للكمال الإلهي، إذ أن الله الكامل هو في طبيعته محبة وموضوع تلك المحبة (الإله الواحد في الثالوث)، وتلك المحبة هي التي تخلق الإنسان.


ومن هنا كان اختلاف وتميز المفهوم المسيحي للمحبة، وتمحور العقيدة و "أخلاقياتها" حول المحبة. فلم تعد المحبة عاطفة أو سمواً أخلاقياً – المحبة الحقة هي طبيعة الله، محبة معطية حياة، لا يمنحها إلا الله ولا تتحقق إلا من خلاله، لذا كانت المحبة من ثمار الروح القدس (غلاطية 22:5)، وكان الربط: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ.‏ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ" (1 يوحنا 7:4-8).



هناك تعليق واحد: