الجمعة، 13 أبريل 2012

الكتاب المقدس – هل من منافس؟ التحريف: شبهة وهمية 3: أحداث جمعة الصلب

اقرأ المقدمة (هنا) والجزء الأول (هنا) والجزء الثاني (هنا)

جملة افتراءات على قصة أحداث جمعة الصَلب. قال المعترض:


1.      في محاكمة المصلوب الذي يدعي المسيحيون أنه المسيح نجد (متى 11:27-14) يؤكد أن كل ما قاله المسيح لبيلاطس: "أَنْتَ تَقُولُ" ويصرح بأن بيلاطس حاول بعد ذلك أن يتحدث مع المسيح أو يناقشه فلم يجبه المسيح ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً، وهذا ما يوافقه فيه مرقس. أما يوحنا فقد أورد في (33:18-38) حديثاً طويلاً يرد فيه المسيح على الوالي ويناقشه، ويتحدث فيه عن مملكته.

يحمل المعترض النص ما لم يأتِ فيه. فمتى البشير ركَّز على رفض المسيح الرد على التهم الباطلة التي ساقها رؤساء الكهنة والشيوخ، وتعجُّب الوالي من صمت المسيح أمام التهم ورفضه الدفاع عن نفسه فيها:
"فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلاً:"أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:"أَنْتَ تَقُولُ". وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ:"أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟" فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا" (متى 11:27-14).
أما يوحنا فيورد جزءاً آخر من الموقف، وهو الحديث الفعلي الدائر بين بيلاطس والمسيح، والذي جاء فيه أيضاً تفصيل رواية متى (أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ) كالآتي:
"ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ:"أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" أَجَابَهُ يَسُوعُ:"أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟" أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: "أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا". فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: "أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟" أَجَابَ يَسُوعُ:"أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ" (يوحنا 33:18-37). الروايتان مكملتان لبعضهما البعض، لا متناقضتان.

2.      هل ألبسَ الجندُ المسيحَ رداءً قرمزياً (متى 27:27) أم ثوباً أورجواني (يوحنا 2:19)؟
ما يراه المعترض تناقضاً بين لون الرداء، في الروايتين، فهو أيضاً من أدلة جهل المعترض بالخلفية التاريخية للأحداث. "القرمزي" في اليونانية هو kokkinen، صبغة كانوا يحصلون عليها من طحن بيضات حشرة ilex coccifera، وبالتالي أطلق الإسم على الثياب المصبوغة بذلك اللون. أما "أرجواني" فهي في اليونانية صفة porphurous. واللفظان وصف للرداء الملكي الذي ألبسه الجند للمسيح للسخرية منه. بيت القصيد في التالي: تلك الأردية الملكية تُعرَف بإسم واحد على اختلاف درجاتها (ومن ثَم كانت الترجمتان)، وهو Tyrian purple. وللقارئ الكريم أن يطالع وصف لون تلك الأردية باللفظ والصورة (هنا). من الواضح أن ذلك الرداء الملكي يتراوح لونه ما بين اللونين اللذين نسميهما نحن اليوم القرمزي الداكن والأرجواني؛ اللفظان المعبران عن لونين مختلفين في زمننا هذا، هما مترادفان بالنسبة لكاتبي البشارتين. وها نموذج لذلك الرداء (أرجواني في الصورة الأولي)، ونفس الرداء الملكي في جدارية أثرية للإمبراطور يوستينيان من القرن الـ6م (قرمزي داكن في الصورة الثانية).






3.      يُفهم من (متى 27:27-28) و(مرقس 16:15-17) أن الذين استهزأوا بالمسيح وألبسوه اللباس كانوا جند بيلاطس، ويُعلم من (لوقا 11:23) خلاف ذلك فإن هيرودس هو الذي ألبسه ثياباً لامعة.
4.      جاء في (متى 29:27) أن الجنود ركعوا للمسيح استهزاءً به ثم بصقوا عليه وخالفه (مرقس 19:15) فجعل البصق أولاً ثم الركوع.
قراءة النصوص كاملة تظهر مدى تكاملها واتفاقها دون احتياج لأي إيضاح منا حتى! فالمنطق كل المنطق أن يتعرض المسيح للاستهزاء عند هيرودس كما عند بيلاطس، والرواية في متى ومرقس لا تنفي تلك التي في لوقا، والعكس صحيح. ننوه أيضاً إلى أن النص اليوناني لكل مِن متى ومرقس يذكر تفاصيل استهزاء الجند بالمسيح بعطفها على بعضها البعض (و = kaiدون ذكر ترتيب معين لتلك الأفعال (ثم) كما يبدو في الترجمة العربية.
متى 27:27-31
مرقس 15:15-20
لوقا 1:23-25
َأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ:"السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!" وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ.
فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ. فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: "السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!" وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ."
فَقَامَ كُلُّ جُمْهُورِهِمْ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِيلاَطُسَ. فَقَالَ بِيلاَطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ:"إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَانِ". فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ قَائِلِينَ:"إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئًا مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا". وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ. فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ:"قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". وَكَانَ مُضْطَرًّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِدًا، فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ:"خُذْ هذَا! وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!" وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل.

5.      مَن الذي حمل الصليب؟ يسوع (يوحنا 16:19) أم سمعان القيرواني (لوقا 26:23)؟ وحاول المسيحيون ايجاد مخرج لهذا التناقض فقالوا لما حمل المسيح الصليب على كتفه كالعادة وسار به مسافة، ضعفت قواه الجسدية وتعذّر عليه المشي، فوجدوا في الطريق سمعان القيرواني وأنا اقول أين كان لاهوت المسيح عندما خارت وضعفت قواه الجسدية وهل الاله الذي ما جاء إلا من أجل هذا الصليب تخور قواه عند حمله ويترك غيره ليحمله؟
يجمل يوحنا في (16:19) ما جاء تفصيله في (لوقا 26:23). أما لاهوت المسيح، فقد كان متحداً بناسوته ولم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين. فالمسيح الإله المتجسد أتى ليتمم بألوهيته ما تعجز البشرية عن تتميمه، وهو هزيمة الموت بالقيامة. وقد خارت قوى المسيح تحت الصليب، كما عطش مصلوباً (يوحنا 28:19)، وبكى عند قبر لعازر (يوحنا 25:11)، وجاع وعطش في البرية (متى 4)، تأكيداً لناسوته، ومحولاً حتى تلك الضعفات البشرية – إذ هو الإله المتجسد، اللاهوت المتحد بالناسوت – إلى مصدر قوة حين يتحد الإنسان به! لذا نؤمن نحن المسيحيين أنه ليس إلهنا "غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ" (عبرانيين 15:4-16). فإلهنا على دراية حقيقية وشعور صادق بما نجوزه نحن البشر من الآلام والضيقات وما يلابسها من خطايا وهفوات. فإن كان قد وضع على نفسه أن يحمل خطايانا، فذلك عن إحساس صادق بما نعانيه. إن كنا نتألم بأي نوع من أنواع الألم، فهو عنده رصيد من خبرة الآلام ما يؤهله أن يتألم معي بل يتألم من أجلي، بل يرفع كل آلامي، بل وقد رفعها على الصليب من أجلي. فما علي إلا أن ألقي آلامي عليه لأجد راحة صادقة وحقيقية: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (متى 28:11-30).
6.      متى كان الصلب؟ في الساعة الثالثة (مرقس 25:15) أم السادسة (يوحنا 14:19)؟
الاعتراض على (مرقس 25:15) في مقابل (يوحنا 14:19) يكشف جهل المعترض بخلفية زمان ومكان أحداث حياة السيد المسيح. استخدم متى ومرقس ولوقا في كتاباتهم تقسيم اليوم اليهودي التقليدي، والذي يبدأ من غروب شمس اليوم السابق، ويطلق إسم "الساعة الأولى" على شروق شمس اليوم التالي (حوالي الـ6 صباحاً) (هنا)، أما يوحنا فيستخدم التوقيت الروماني المدني، والذي يبدأ "الساعة الأولى" من منتصف الليل (كما نفعل الآن). والدليل على ذلك قول يوحنا في (19:20) "وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ"، فعشية يوم الأحد "أول الأسبوع" (روماني) كانت ستسمى "ليلة الإثنين" لو أن يوحنا كتب وفق التوقيت العبري لا الروماني. ولا عجب أن يوظف يوحنا البشير التوقيت الروماني، إذ كان يكتب بشارته من أفسس، العاصمة الرومانية لإقليم آسيا الصغرى. فلا يوجد تناقض، بل هو تطابق: الساعة الثالثة التي صلبوا فيها المسيح (حسب رواية مرقس) هي المعادلة بالتوقيت العبري للساعة السادسة بالتوقيت الروماني التي أسلم فيها بيلاطس يسوع ليُصلَب (حسب رواية يوحنا). وهذا من أجمل الأدلة الداخلية على أن الكاتبين عاشا فعلاً وقتما كانت تلك التوقيتات مستخدمة، وأن شهادتيهما سليمتان حتى يومنا هذا.
7.      علامَ اقترع الجند؟ ثياب المسيح كلها (متى 32:27) أم قميصه فقط (يوحنا 23:29-24)؟
يجمل متى في (35:27) "اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا" ما فصله يوحنا في (23:19-24) "أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:"لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ". فلفظة "ثياب" هي ترجمة himation وهي لفظة عامة لأي شئ يُرتدَى، أما "قميص" فهي ترجمة chiton وهو تخصيص لرداء داخلي كان يُلبَس "على اللحم" مباشرة. الاعتراض نابع، كالمعتاد، من الجهل بالأصل اليوناني للنص.
8.      بأي لغات كُتِبَ العنوان المُعَلَّق فوق الصليب؟ بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية (لوقا 38:23) أم بالعبرانية واليونانية واللاتينية (فجعل اللاتينية عوضاً عن الرومانية) (يوحنا 19:19-20)؟
9.       ما هو عنوان تهمة المصلوب؟ هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ (متى 37:27) أم مَلِكُ الْيَهُودِ (مرقس 26:15) أم هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ (لوقا 38:23) أم يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ (يوحنا 19:19)؟
واضح جهل المعترض بأن اللاتينية هي هي الرومانية!
أما بالنسبة لعنوان التهمة، فهي في اتفاق تام مع ما ادعاه اليهود زوراً على المسيح أمام بيلاطس، مثل: "وَابْتَدَأُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ:"إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ". فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ قِائِلاً:"أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" فَأَجَابَهُ وَقَالَ:"أَنْتَ تَقُولُ". فَقَالَ بِيلاَطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ:"إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَانِ" (لوقا 2:23-3). لاحظ أن الاختلاف الطفيف في العرض لم يمس لب التهمة كما جاءت في شكاية قادة اليهود أمام بيلاطس، فليس هذا تناقضاً بل هو دليل صدق الرواة فيما شاهدوه بأعينهم وكتبوه استرجاعاً من الذاكرة تحت إشراف وإرشاد وحي الروح القدس.
10.  يفرق متى في (48:27) بين ذاك الذي أعطى يسوع الخل، ومن قال انتظر، إذ أن الباقين هم الذين يخاطبون الرجل الذي أعطاه الخل بقولهم: انتظر (المخاطب مفرد)؛ أما في (مرقس 36:15-37) نجد أن نفس الشخص هو الذي يعطيه الخل ويقول تلك الكلمات و المخاطب جمع، إذ قيلت للمتفرجين.
اختلاف لا يعيب النص في شئ ولا يؤثر في وقائع الموقف، بل هو يؤكد أن الكتاب شهود عيان للواقعة، كما أن هدفهم من نقل الواقعة موحد: الاهتمام هو برفض المسيح ما قُدِم له من مهدئ ومسكن للآلام، وسخرية مَن حوله منه. راجع طبيعة الوحي في المفهوم المسيحي في المقدمة (هنا).
11.  اللصان اللذان صلبا مع المسيح: هل كانا يعيرانه كلاهما (مرقس 32:5)، أم أحدهما فقط (33:23-34)؟
حجة مبنية على تفسير المعترض الشخصي للنصين! يتكامل النصان، فقد بدأ اللصان بمعايرة المسيح المصلوب بينهما، لكن طلب المسيح الغفران لقاتليه: "يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لوقا 34:23) غيَّر قلب اللص التائب، فرجع عن قساوته نادماً موبخاً زميله: "أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ، إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ". ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ:"اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (لوقا 23:40-42).
12.  مَن دفن المسيح؟ من اتهموه وتسببوا في قتله (أعمال الرسل 27:13) أم يوسف الرامي (لوقا 50:23)؟
حجة مفتعلة ملفقة تبطل بقراءة النصين ضمن سياقهما. بولس الرسل يستعرض في أعمال الرسل 13 الخطوط العريضة المتعلقة بالإيمان المسيحي: بادئاً بعبودية بني اسرائيل في مصر (آية 17) وصولاً إلى ظلم المسيح وصلبه بوشاية قادة اليهود، ثم دفنه وقيامته من بين الأموات. أما رواية (لوقا 50:23) فتذكر تفاصيل الواقعة. مانشيت "الأمريكيون يعدمون صدام شنقاً ويدفنونه في مسقط رأسه" لا يناقض تفاصيل الخبر "واستلم ذوو صدام جثمانه من الأمريكان ودفنوه في مسقط رأسه".
13.   متى تم شراء الطيوب والحنوط؟ قبل السبت (مرقس 1:16) أم بعده (لوقا 55:23)؟
انظر ردنا على رقم (1) في الاعتراضات على قصة القيامة (يتبع لاحقاً). الجلي اذاً أن مجموعتين من النساء ذهبن إلى القبر: مجموعة المجدلية (مرقس 1:16) ومجموعة "نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَ (المسيح) مِنَ الْجَلِيلِ" (المذكورة في لوقا 23 و24)، نسميها مجموعة يونا للتيسير؛ يونا هذه هي "امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ" (لوقا 3:8)، فمن الطبيعي أنها أتت من موضع في المدينة (دار هيرودس، مسكن زوجها) غير المجدلية. كما أن الاعتراض بنص (لوقا 1:24) القائل: "ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ" دليل جهل بالنص اليوناني، فكلمة "أناس" مُتَرجَمة عن اليونانية tines وهي إسم جمع مؤنث، أي، نساء أخريات (المريمات وغيرهن)! وبين رواية (متى 1:28) عن الهدف من زيارة القبر "جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ" ورواية (لوقا 1:24) "أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ" تكامل لا تناقض، فالواحدة لا تنفي الأخرى بل تكملها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق