الأربعاء، 25 أبريل 2012

مفهوم الوحي في الإيمان المسيحي - مقدمة



كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ theopneustos ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ.
(2 تيموثاوس 16:3)



هي كلمة فريدة تلك التي تُرجِمَت إلى "مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ"، أو God-breathed في بعض الترجمات الإنجليزية. لم تَرِد كلمة theopneustos في أي موضع في العهد الجديد إلا في هذه الآية، بل إن استخدامها حتى في الأدبيات اليونانية نادر جداً. فهي كلمة شديدة التخصيص ركَّبَها بولس الرسول تحت إرشاد الروح القدس لتوصيف طبيعة الوحي في الإيمان المسيحي.


اشتقاق الكلمة هو من ثلاثة أجزاء:
  1. Theo، من الأصل theos، أي الله\إله.
  2. Pneus، من الأصل pneo، أي "يتنَفَّس" أو "ينفخ". جدير بالذكر أن pneo هي أصل كلمة pneuma، أي "نَفَسٌ" أو "ريحٌ"، وهي الكلمة ذاتها التي تُطلق على الأقنوم الثالث في الله الواحد، الروح القدس.
  3. Tos، والتي تأتي في نهاية الكلمة لنسبة الفعل إلى فاعله.
لزيادة الإيضاح للقارئ، نذكر من التركيبات الشبيهة في العهد الجديد كلمة theodidaktoi الواردة في (1 تسالونيكي 9:4) "وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا". فالمقطع didak من الأصل didache أي تعليم.



عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.‏
(2 بطرس 20:1-21)



كلمة "مَسُوقِينَ" هنا أصلها في اليونانية pheromenoi اشتقاقاً من phero أي "يَحْمِلُ"، وتُستَخدَم لوصف السفينة التي "تسوقها" الريح على سطح المياه. فالقديسون كُتَّاب الوحي فردوا أشرعة عقولهم  وقلوبهم وفكرهم، فوجههم الروح القدس كيفما يريد للتعبير عن الحق الإلهي.



ننطلق مما سبق إلى القاعدة الرئيسية في فهمنا للوحي المسيحي:


الوحي المسيحي هو إلهام Inspiration وليس إملاء  Dictationكالفهم الإسلامي للوحي!



لا يعرف الإيمان المسيحي الوحي بمعنى أن يكون الكاتب في حالة من غياب الوعي، بحيث تُلغى تماماً القدرات البشرية. فالبشر ينقلون الكلمة التي هي صوت الله؛ الكتاب المقدس هو كلمة الله بلغة بشرية، الله يتكلم مع الإنسان ولكن الإنسان هو مَن يفهم ويكتب! الإلهام الإلهي لا يلغي العنصر البشري، وما هو بشري لا ينمحي بالوحي الإلهي، لكنه يتجلى transfigured. العنصر البشري في الوحي هو بشر لا ينطبق عليه، قطعاً، الكمال الإلهي. الكتاب المقدس ليس كتاباً بشرياً، وهو أيضاً ليس كتاباً إلهياً فقط! الإلهي والبشري متداخلان فيه، وليس لنا أن نظن أن ذات الشخص الذي يكتب قد تعطلت تماماً حين كان يوحى إليه ليكتب عن الإعلان الذي تسلمه من الله. رسالة الكاتب دائماً لها علاقة بفكره ونظرته، والصورة التي يقدمها للرسالة مشتقة من نسيجه ووصفه.



فالروح القدس الذي أعلن الحق لكُتَّاب الوحي إختار من مفردات الكاتب اللغوية الكلمات المناسبة، والتي اقتنع بها الكاتب بالكامل، ليعطي المؤمنين الحق الدقيق الذي أعلنه الله. الروح القدس استخدم الكُتَّاب كما وجدهم، وعصمهم من الخطأ في إعلان الحق الإلهي. مثلاً، استخدم الروح القدس يونانية لوقا الجميلة النقية، ويونانية بولس المُرَكَّبة الصعبة، ويونانية يوحنا السهلة البسيطة، وكانت اللغة في كل الحالات سليمة وكافية لإعلان الحق الإلهي المراد إعلانه. 


الروح القدس هو فوق اللغة، ومع ذلك لدينا في النصوص الأصلية لمخطوطات الكتاب المقدس (العبرية واليونانية) الألفاظ نفسها التي علَّمها الله للكتاب وهم يسجلون الحق المعلن لهم. لقد بحث كل كاتب من كُتَّاب الأناجيل، تحت قيادة الروح القدس، في حصيلة مفرداته وثقافته ليجد الألفاظ المناسبة والدقيقة للتعبير عن الحق المراد تسجيله، فرفض كل كلمة أراه الروح القدس أنها ليست معبرة عن الفكرة بالدقة المطلوبة، حتى استقر على الكلمة التي قادها إليه الروح القدس وختم عليها بالموافقة. هكذا يسمح الروح القدس أن يتحرك الكاتب بحرية وهو يكتب داخل إطار شخصيته ومفرداته وثقافته، بينما يقوده في الوقت عينه ليدون تسجيلاً معصوماً للحق المعصوم المُعلَن له!



الله يعلن عن ذاته ليس في كتاب إنما في شخص. وإيماننا أن كمال إعلان الله لذاته هو يسوع المسيح، وهو شخص لا كتاب! "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ" (عبرانيين 1:1). ولأن البشر لم يستطيعوا أن يفهموا بالكامل طبيعة الله، في الخليقة من حولهم، في أحداث التاريخ، في الضمير البشري، أتى الله إلينا في الجسد في يسوع المسيح. والروح القدس (الذي أوحى بالأسفار) لا يفارق الكنيسة، بل عمله ممتد، فبالأسفار المقدسة وبشهادة الكنيسة يعلن الروح القدس الحق الإلهي الكامل: شخص يسوع المسيح نفسه، الذي قال: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 6:14). في إيماننا المسيحي، معيار الحق المُعلَن من الله هو يسوع المسيح، وعليه نقيس إعلانات الماضي والحاضر والمستقبل. مرجعنا الآن شخص حي، وليس كتاباً!


+++


مراجع الدراسة:

  1.      القمص بنيامين مرجان باسيلي، تفسير رسالة القديس بطرس الثانية والقديس يهوذا، كنيسة مارمرقس الرسول بالجيزة، 2007
  2.  Greek Interlinear Bible (هنا)
  3. New Testament Greek Lexicon (هنا)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق