السبت، 14 يوليو 2012

سألني أحمد: لماذا خلق الله الإنسان؟

ضمن حوار اليكتروني جميل دار بيني وبين أحد الأصدقاء المسلمين، أرسل إلي صديقي أحمد منصور السؤال التالي:



لماذا خلق الله الخليقة بالذات الإنسان؟ لماذا ابتدأ حياة دون حياته؟ بم تجيب؟



فكان ردي الذي ارسلته إليه كالآتي:


لأن "اللهَ مَحَبَّةٌ"(1 يوحنا 8:4)، أي أن طبيعته محبة، من الطبيعي له أن "يحب"؛ فكما أن مجد ينبوع الماء أن يفيض ويروي ما حوله، مجد ينبوع المحبة الإلهية أن تفيض على خليقة تكون موضوع تلك المحبة! فكان أن خلق الله الإنسان ليكون موضوعاً لتلك المحبة الإلهية وشريكاً فيها. كما يقول الله في الكتاب المقدس مخاطباً الإنسان: "مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ" (إرميا 3:31)، أي أن محبة الله لإنسان "أبدية" من أبدية الله وليست مرتبطة فقط بنشوء الإنسان – لأن "الله محبة." وإلى هذا المعنى يذهب ما يُقال في صلوات القداس:


الذي من أجل الصلاح وحده، مما لم يكن كونت الانسان.
ليس شئ من النطق يستطيع أن يحد لجة محبتك للبشر. خلقتنى إنساناً كمحب للبشر، من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن. لم تدعني معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك. أنت الذي جبلتني. ووضعت يدك علي. وكتبت في صورة سلطانك.


ومن فيض محبة الله الغير محدودة، أنه خلق الإنسان في أقرب حالة إليه ، ما خلا – قطعاً – الخصال الإلهية المطلقة. لذا يقول الله في الكتاب المقدس عن خلقته للإنسان: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تكوين 26:1)، و "تَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" (مزمور 5:8-6). فالمحبة "لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ" (1 كورنثوس 4:13)، لذا لم يتحرج الله، المحبة، أن يبتدئ حياة دون حياته، بل وتكون تلك الحياة على صورته كشبهه، مجيدة متوجة بالبهاء ومتسلطة – بمجد وبهاء ينبعان من الله ذاته الذي هو مصدر وأساس ومنبع حياة الإنسان – على الخليقة بأسرها! فليس في ذلك تقليلاً من ذاته ولا جرحاً لعزته و جلالته. فالمحبة – التي هي طبيعة الله – لا تعرف التفاخر والانتفاخ والذاتية.


وقد يعترض معترض بأن كون الإنسان موضوع محبة الله يجعل الله محتاجاً للإنسان! وحاشا لله أن يكون محتاجاً إلى خليقة تكمله! وهو اعتراض في محله، لمن لا يعرف المفهوم المسيحي لطبيعة الله. وهو يعود بنا مرة أخرى إلى الآية القائلة بأن الله محبة. فتلك العبارة هي تقرير لطبيعة الله! فليست المحبة صفة يتصف بها الله، إنما هي طبيعته.


فبما أن الله محبة بطبيعته، يستوجب الكمال الإلهي أن يكون في طبيعة الله "المحب" و"المحبوب" في آن؛ وهذا مدلول قول الكتاب المقدس:


  • "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متى 17:3) (أقنوم الآب متحدثاً عن أقنوم الإبن)
  • "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي.‏ إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ" (يوحنا 9:15-10) (المسيح، أقنوم الابن، محدثاً المسيحيين)
  • "‏وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ. قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يوحنا 5:17، 22-24) (المسيح، أقنوم الابن محدثاً أقنوم الآب)



وهذا لب عقيدة الثالوث والوحدانية: المحبة توحد الأقانيم ثالوثاً في إله واحد وإلهاً واحداً في ثالوث. فالثالوث ضرورة للكمال الإلهي، إذ أن الله الكامل هو في طبيعته محبة وموضوع تلك المحبة (الإله الواحد في الثالوث)، وتلك المحبة هي التي تخلق الإنسان.


ومن هنا كان اختلاف وتميز المفهوم المسيحي للمحبة، وتمحور العقيدة و "أخلاقياتها" حول المحبة. فلم تعد المحبة عاطفة أو سمواً أخلاقياً – المحبة الحقة هي طبيعة الله، محبة معطية حياة، لا يمنحها إلا الله ولا تتحقق إلا من خلاله، لذا كانت المحبة من ثمار الروح القدس (غلاطية 22:5)، وكان الربط: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ.‏ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ" (1 يوحنا 7:4-8).



الأربعاء، 25 أبريل 2012

مفهوم الوحي في الإيمان المسيحي - مقدمة



كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ theopneustos ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ.
(2 تيموثاوس 16:3)



هي كلمة فريدة تلك التي تُرجِمَت إلى "مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ"، أو God-breathed في بعض الترجمات الإنجليزية. لم تَرِد كلمة theopneustos في أي موضع في العهد الجديد إلا في هذه الآية، بل إن استخدامها حتى في الأدبيات اليونانية نادر جداً. فهي كلمة شديدة التخصيص ركَّبَها بولس الرسول تحت إرشاد الروح القدس لتوصيف طبيعة الوحي في الإيمان المسيحي.


اشتقاق الكلمة هو من ثلاثة أجزاء:
  1. Theo، من الأصل theos، أي الله\إله.
  2. Pneus، من الأصل pneo، أي "يتنَفَّس" أو "ينفخ". جدير بالذكر أن pneo هي أصل كلمة pneuma، أي "نَفَسٌ" أو "ريحٌ"، وهي الكلمة ذاتها التي تُطلق على الأقنوم الثالث في الله الواحد، الروح القدس.
  3. Tos، والتي تأتي في نهاية الكلمة لنسبة الفعل إلى فاعله.
لزيادة الإيضاح للقارئ، نذكر من التركيبات الشبيهة في العهد الجديد كلمة theodidaktoi الواردة في (1 تسالونيكي 9:4) "وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا". فالمقطع didak من الأصل didache أي تعليم.



عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.‏
(2 بطرس 20:1-21)



كلمة "مَسُوقِينَ" هنا أصلها في اليونانية pheromenoi اشتقاقاً من phero أي "يَحْمِلُ"، وتُستَخدَم لوصف السفينة التي "تسوقها" الريح على سطح المياه. فالقديسون كُتَّاب الوحي فردوا أشرعة عقولهم  وقلوبهم وفكرهم، فوجههم الروح القدس كيفما يريد للتعبير عن الحق الإلهي.



ننطلق مما سبق إلى القاعدة الرئيسية في فهمنا للوحي المسيحي:


الوحي المسيحي هو إلهام Inspiration وليس إملاء  Dictationكالفهم الإسلامي للوحي!



لا يعرف الإيمان المسيحي الوحي بمعنى أن يكون الكاتب في حالة من غياب الوعي، بحيث تُلغى تماماً القدرات البشرية. فالبشر ينقلون الكلمة التي هي صوت الله؛ الكتاب المقدس هو كلمة الله بلغة بشرية، الله يتكلم مع الإنسان ولكن الإنسان هو مَن يفهم ويكتب! الإلهام الإلهي لا يلغي العنصر البشري، وما هو بشري لا ينمحي بالوحي الإلهي، لكنه يتجلى transfigured. العنصر البشري في الوحي هو بشر لا ينطبق عليه، قطعاً، الكمال الإلهي. الكتاب المقدس ليس كتاباً بشرياً، وهو أيضاً ليس كتاباً إلهياً فقط! الإلهي والبشري متداخلان فيه، وليس لنا أن نظن أن ذات الشخص الذي يكتب قد تعطلت تماماً حين كان يوحى إليه ليكتب عن الإعلان الذي تسلمه من الله. رسالة الكاتب دائماً لها علاقة بفكره ونظرته، والصورة التي يقدمها للرسالة مشتقة من نسيجه ووصفه.



فالروح القدس الذي أعلن الحق لكُتَّاب الوحي إختار من مفردات الكاتب اللغوية الكلمات المناسبة، والتي اقتنع بها الكاتب بالكامل، ليعطي المؤمنين الحق الدقيق الذي أعلنه الله. الروح القدس استخدم الكُتَّاب كما وجدهم، وعصمهم من الخطأ في إعلان الحق الإلهي. مثلاً، استخدم الروح القدس يونانية لوقا الجميلة النقية، ويونانية بولس المُرَكَّبة الصعبة، ويونانية يوحنا السهلة البسيطة، وكانت اللغة في كل الحالات سليمة وكافية لإعلان الحق الإلهي المراد إعلانه. 


الروح القدس هو فوق اللغة، ومع ذلك لدينا في النصوص الأصلية لمخطوطات الكتاب المقدس (العبرية واليونانية) الألفاظ نفسها التي علَّمها الله للكتاب وهم يسجلون الحق المعلن لهم. لقد بحث كل كاتب من كُتَّاب الأناجيل، تحت قيادة الروح القدس، في حصيلة مفرداته وثقافته ليجد الألفاظ المناسبة والدقيقة للتعبير عن الحق المراد تسجيله، فرفض كل كلمة أراه الروح القدس أنها ليست معبرة عن الفكرة بالدقة المطلوبة، حتى استقر على الكلمة التي قادها إليه الروح القدس وختم عليها بالموافقة. هكذا يسمح الروح القدس أن يتحرك الكاتب بحرية وهو يكتب داخل إطار شخصيته ومفرداته وثقافته، بينما يقوده في الوقت عينه ليدون تسجيلاً معصوماً للحق المعصوم المُعلَن له!



الله يعلن عن ذاته ليس في كتاب إنما في شخص. وإيماننا أن كمال إعلان الله لذاته هو يسوع المسيح، وهو شخص لا كتاب! "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ" (عبرانيين 1:1). ولأن البشر لم يستطيعوا أن يفهموا بالكامل طبيعة الله، في الخليقة من حولهم، في أحداث التاريخ، في الضمير البشري، أتى الله إلينا في الجسد في يسوع المسيح. والروح القدس (الذي أوحى بالأسفار) لا يفارق الكنيسة، بل عمله ممتد، فبالأسفار المقدسة وبشهادة الكنيسة يعلن الروح القدس الحق الإلهي الكامل: شخص يسوع المسيح نفسه، الذي قال: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 6:14). في إيماننا المسيحي، معيار الحق المُعلَن من الله هو يسوع المسيح، وعليه نقيس إعلانات الماضي والحاضر والمستقبل. مرجعنا الآن شخص حي، وليس كتاباً!


+++


مراجع الدراسة:

  1.      القمص بنيامين مرجان باسيلي، تفسير رسالة القديس بطرس الثانية والقديس يهوذا، كنيسة مارمرقس الرسول بالجيزة، 2007
  2.  Greek Interlinear Bible (هنا)
  3. New Testament Greek Lexicon (هنا)


الأحد، 22 أبريل 2012

الكتاب المقدس – هل من منافس؟ التحريف: شبهة وهمية 5: قصة صعود المسيح


جملة افتراءات على قصة الصعود. قال المعترض:
1.      متى أصعد المسيح إلى السماء؟ في نفس اليوم الذي قام فيه من بين الأموات (لوقا 36:24-50) أم بعد أربعين يوماً من قيامته (أعمال الرسل 2:1-3)؟

لا يقول (لوقا 36:24-50) على الإطلاق أن صعود المسيح كان في نفس يوم القيامة، إنما هذا معنى ألبسه المعترض قسراً للنص، فقط لأن النص لم يذكر صراحة أن الأحداث المذكورة وقعت في أيام مختلفة، بل يسرد لوقا في أصحاحه الرابع والعشرين وبشكل متتابع دون ذكر لأي تواريخ أو علامات زمنية مجموعة أحداث وقعت على مدار أربعين يوماً! فالكاتب أجمل في الأصحاح الأخير من بشارته ما فصل بعضه فيما كتبه في (أعمال الرسل 2:1-3). الروايتان متكاملتان، فالبشارة تجمل ما فصله السفر؛ بل رأيي أن الوحي أرشد لوقا لختام بشارته بالتلخيص، إذ أن ترتيب الوحي كان تفصيل لوقا للأحداث في سفر أعمال الرسل.

2.      من أين أصعد المسيح؟ من بيت عنيا (ضواحي أورشليم) (لوقا 50:24-51) أم من جبل الزيتون (أعمال الرسل 9:1-12)؟ ولكي تتأكد أيها القارىء الفطن من اختلاف جغرافية جبل الزيتون عن جغرافية بيت عنيا راجع خريطة أورشليم في أيام المسيح الموجودة في نهاية العهد الجديد لترى الاختلاف ولتعلم أن كتبة الاناجيل ليسوا ملهمين ولا معصومين.


الاعتراض يكشف جهلاً مخجلاً بتفاصيل جغرافية القدس. بيت عنيا التي يذكرها الكتاب المقدس هي العيزريه في الضفة الغربية اليوم، ولا زال بعض الغربيين يسمونها باسمها القديم المذكور في الكتاب المقدس حتى يومنا هذا "Bethany". وتقع تلك المدينة على السفح الجنوب-شرقي لجبل الزيتون (راجع هنا)! يكشف الاعتراض جهل المعترض بكون "جبل الزيتون" سلسلة تلال (مثل جبل المقطم في مصر)، لا قمة وحيدة. بل يكشف أيضاً للأسف كذب المعترض حين قال:  "ولكي تتأكد أيها القارىء الفطن من اختلاف جغرافية جبل الزيتون عن جغرافية بيت عنيا راجع خريطة أورشليم في أيام المسيح الموجودة في نهاية العهد الجديد لترى الاختلاف". وها هي خريطة موضح عليها بيت عنيا (Bethany):



وخريطة أخرى توضح موقع جبل الزيتون (Mt. of Olives):





فالموقعان قريبان جداً من بعضهما حتى أنه يصعب رسمهما معاً على نفس الخريطة.
مرة أخرى، فصل لوقا في بشارته ما اجمله في سفر أعمال الرسل. وكالمعتاد، تتكامل الروايات.


3.      تفيد رواية (متى 19:28) أن المسيح أمر تلاميذه بالذهاب ليكرزوا في كل الأمم، لكن رواية (لوقا 49:24) تفيد أن المسيح أمرهم بالمكث في أورشليم قائلاً لهم: فأقيموا في اورشليم الي أن تحل عليكم القوة من العلي.
4.      روى (مرقس 20:16) أن التلاميذ، بعد أن ارتفع عنهم المسيح، خرجوا فبشروا في كل مكان، فكذَّبه (لوقا 53:24) وصرح بأنهم كانوا كل حين في الهيكل، يسبحون الله.
النصوص متكاملة، فمرقس ومتى يختتمان بشارتيهما بإجمال لعمل الرسل ككل بعد صعود المسيح، أنهم "خَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ"، عملاً بأمر المسيح لهم: "اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (متى 19:28)، بينما يفصل لوقا في خاتمة بشارته أن أمر المسيح كان بالبقاء في أورشليم حتى حلول الروح القدس، والذي يمنحهم "قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي" ترشدهم وتوجههم وتعينهم في كرازتهم. اذاً مكث التلاميذ في أورشليم، ثم تأتي بقية التفاصيل في الاصحاح الأول من سفر أعمال الرسل (الذي كتبه لوقا أيضاً)، استكمالاً للأحداث من بعد الصعود: "حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، الَّذِي هُوَ بِالْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ" (12) كما يقول عن التلاميذ: "كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ" (14)، حتى يصل الى حادثة حلول الروح القدس على التلاميذ بعد الصعود بعشرة أيام، وكانت تلك البداية الفعلية والتفصيلية لخروج التلاميذ والرسل للكرازة في كل مكان.
الروايات متكاملة، فالواحد يجمل ما فصله الآخر؛ بل رأيي أن الوحي ارشد لوقا لختام بشارته بذكر العودة إلى اورشليم، اذ أن ترتيب الوحي كان استكمال لوقا رواية الأحداث في سفر أعمال الرسل.

- يتبع - 




السبت، 14 أبريل 2012

إنجيل برنابا - سلاح ذو حدين

سألت صديقاً لي مسلماً ذات مرة: هل لإنجيل برنابا قيمة عقائدية فعلية عند علماء المسلمين أم هي فقط عند "العوام"؟ فأجابني: عقائديًا لا يفرق كثيراً، هو مجرد دليل على صحة إيماننا مع أشياء أخَر كثيرات في الإيمانيات؛ بمعنى إنه يثبت العقيدة ولا ينفيها.

ليس ما يأتي دراسة مستفيضة ولا متكاملة للإنجيل المزعوم على الإطلاق، بل هو نبذة قصيرة ولمحات بسيطة وجولة سريعة عنه وفيه. وليست دراستنا له من وجهة نظر عقائدية مسيحية، بل من منظور علمي حيادي بحت، من واقع القرائن التاريخية. من خلالها يظهر أن هذا الكتاب ما هو إلا مؤلَّف أدبي ركيك يرجع إلى أوروبا أواخر العصور الوسطى. سيصل القارئ في النهاية إلى أن الكتاب مخجل في محتواه، بل سيتبرأ القارئ المسلم من أيٍ وكلِ ما جاء فيه، ويتخلى عن فكرة أنه "الإنجيل الأصلي السليم الذي يشهد للإسلام ورسوله"! 


نشجع القارئ الكريم على التحري بنفسه في المراجع الموثوق في علميتها وحيادها من كل كلمة نسوقها في نبذتنا هذه. لتحميل نص كتاب "إنجيل برنابا"، إضغط (هنا). فإلى عدة ملاحظات بسيطة ومختصرة على محتويات الإنجيل المزعوم.


أقدم نسخ الإنجيل المزعوم مخطوطة إيطالية ترجع إلى القرن الـ15 أو الـ16، ولا نجد أي استدلال به أو حتى ذكر له في كتابات علماء المسلمين قبل القرن الـ15 ممن كتبوا في نقد المسيحية، مثل إبن تيمية وإبن حزم الأندلسي. في المقابل، نجد مخطوطات مطابقة للكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم تعود إلى أوائل القرن الثاني الميلادي (راجع هنا)، كما أن اقتباسات "الآباء الرسوليين" (علماء المسيحية في الفترة من 90-160م) من الكتاب المقدس في كتاباتهم تطابق في نصوصها ما بين أيدينا اليوم تماماً (قريباً دراستنا عن مخطوطات الكتاب المقدس).


ملحوظة: "إنجيل برنابا" هذا غير "رسالة برنابا"، وهي نص تراثي يرجع أول ذكر له إلى القرن 2 للميلاد (راجع هنا).

  
يناقض القرآن

  1.   بينما يعلن القرآن أن عيسى إبن مريم هو المسيح "إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" (آل عمران 45)، جاء في الإنجيل المزعوم في الفصل 42 "فاعترف يسوع وقال: الحق إني لست مسيا" (مسيا = المسيح بالعبرية؛ أنظر أيضاً رقم 1 في الأخطاء التاريخية والجغرافية) بل يذهب الكاتب إلى ما لم يذهب إليه الإسلام نفسه، إذ يقول أن المسيح هو محمد! فكتب في الفصل 97 "فقال حينئذ الكاهن: ماذا يسمى مسيا..؟ أجاب يسوع:... إن اسمه المبارك محمد".
  2. بينما يحلل الإسلام تعدد الزوجات "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ" (النساء 3)، شرَّع كاتب الإنجيل المزعوم أن تكون الزوجة واحدة فقط، فكتب في الفصل 115 "فليقنع الرجل إذاً بالمرأة التي أعطاها إياها خالقه ولينس كل إمرأة أخرى".
  3. بينما يعلن القرآن صراحة أن العذراء مريم ولدت المسيح بآلام طلق شديدة "فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" (مريم 22 و23)، جاء في الإنجيل المزعوم أن العذراء ولدت المسيح بلا ألم؛ كٌتِبَ في الفصل 3 "فأحاط بالعذراء نور شديد التألق، وولدت إبنها بدون ألم".
  4. يعلن القرآن بصريح النص أن عدد السماوات سبعة: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (الإسراء 44). أما الكتاب الذي نحن بصدده، فيقول أن السماوات تسعة! الفصل 178 "الحق أقول لك أن السماوات تسع".



أخطاء تاريخية وجغرافية


  1. يبدأ النص بقول: "برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح"، ولكن في الفصل 42 يقول: "فاعترف يسوع وقال: الحق إني لست مسيا". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن "المسيح" هي ترجمة اليونانية Christos والعبرية "مسيا"! لو كان برنابا المزعوم من أهل القرن الأول الميلادي فعلاً لكانت تلك المعلومة (المسيح = مسيا) من بديهيات معرفته.
  2. جاء في الفصل 3 "كان هيرودس في ذلك الوقت ملكاً على اليهودية بأمر قيصر أوغسطس، وكان بيلاطس حاكماً في زنم الرياسة الكهنوتية لحنان وقيافا، فعملاً بأمر قيصر اكتتب جميع العالم." مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن هيرودس وبيلاطس لم يحكما في نفس الوقت على الإطلاق، بل حكم بيلاطس في الفترة 26-36م (راجع هنا)، بينما حكم هيرودس الكبير في الفترة 37-4 ق.م. (راجع هنا). لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟
  3. جاء في الفصل 20 "وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في المركب مسافراً إلى الناصرة مدينته". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن الناصرة تبعد عن بحر الجليل بحوالي 25 كم، وتقع على سلسلة مرتفعات تعلو عن سطح البحر بحوالي 490م (راجع هنا)! لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث ومن أهل القدس القديم فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟
  4. جاء في الفصل 97 "فأجاب حينئذ الكاهن مع  الوالي والملك:... سنكتب إلى مجلس الشيوخ الروماني المقدس بإصدار ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد الله أو إبن الله". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن مجلس الشيوخ الروماني Roman senate (راجع هنا) كان هيئة سياسية لا صلة لها بالشئون الدينية، بل كان مسئولاً عن السلطة التنفيذية في الدولة الرومانية، ومجلساً للشورى للملك، وهيئة تشريعية! بل كان ولاة الرومان يترفعون عن التدخل في قضايا اليهود الدينية، كما جاء في الكتاب المقدس: "وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ، قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى بُولُسَ، وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ قَائِلِينَ: إِنَّ هذَا يَسْتَمِيلُ النَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِخِلاَفِ النَّامُوسِ. وَإِذْ كَانَ بُولُسُ مُزْمِعًا أَنْ يَفْتَحَ فَاهُ قَالَ غَالِيُونُ لِلْيَهُودِ: لَوْ كَانَ ظُلْمًا أَوْ خُبْثًا رَدِيًّا أَيُّهَا الْيَهُودُ، لَكُنْتُ بِالْحَقِّ قَدِ احْتَمَلْتُكُمْ. وَلكِنْ إِذَا كَانَ مَسْأَلَةً عَنْ كَلِمَةٍ، وَأَسْمَاءٍ، وَنَامُوسِكُمْ، فَتُبْصِرُونَ أَنْتُمْ. لأَنِّي لَسْتُ أَشَاءُ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا لِهذِهِ الأُمُورِ (أعمال الرسل 12:18-15). لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث في القرن الأول الميلادي فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟


   
أدلة على أن كاتب الإنجيل المزعوم عاش في أوروبا في القرن الـ14 للميلاد

  1.    كتب مؤلف الكتاب على لسان المسيح في الفصل 82 "حتى إن سنة اليوبيل التي تجئ الآن كل مئة سنة سيجعلها مسيا كل سنة". بينما الحقيقة أن سنة اليوبيل تلك هي في الأصل عيد يهودي يُحتَفَل به كل خمسين سنة (راجع هنا)، كما جاء في التوراة "وَتُقَدِّسُونَ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ، وَتُنَادُونَ بِالْعِتْقِ فِي الأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا. تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً، وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ، وَتَعُودُونَ كُلٌّ إِلَى عَشِيرَتِهِ. يُوبِيلاً تَكُونُ لَكُمُ السَّنَةُ الْخَمْسُونَ" (لاويين 10:25-11). في 22 فبراير 1300م، قرر بابا روما بونيفاس الثامن أن يحتفل المسيحيون بسنة اليوبيل كل مئة سنة خلافاً لليهود، وتكون تلك سنة "لغفران الخطايا العام" (راجع هنا). وظل هذا القرار، قرار اليوبيل المئوي، سارياً حتى عهد كليمنت السادس بابا روما، والذي قرر أن يحتفل بسنة اليوبيل عام 1350م، ثم تغيرت فترة اليوبيل تلك من بابا للآخر (تراوحت ما بين 33 و 50 سنة)، إلى أن استقرت على 25 سنة منذ أيام البابا بولس الثاني (1464-1471م). إذاً، ففي تاريخ المسيحية كلها، كانت سنة اليوبيل معروفة أنها تقع كل 50 سنة، إلا في الفترة ما بين 1300-1350م، وهي الفترة الوحيدة التي سرى أثناءها قرار بابا روما بأن يكون اليوبيل "كل مئة سنة"؛ واضح أن مؤلف إنجيل برنابا عاش وكتب في الفترة ما بين 1300-1350م.
  2.    كتب مؤلف الكتاب على لسان المسيح في الفصول 106 و135 و178 أوصافاً للجحيم وعذاباته تتطابق تماماً في تفاصيلها مع وصف دانتي في ملحمته الرائعة "الكوميديا الإلهية" للجحيم وعذاباته، تطابقاً لا ينتج إلا عن قراءة المؤلف للملحمة، إذ أنها تفاصيل فلسفية تخيلية لم تأتِ إلا بقلم دانتي، الذي وضع ملحمته في الفترة من 1308-1321م. جدير بالذكر أن بعض النقاد رجحوا أن يكون دانتي نفسه متأثراً في بعض ما كتب بالأدبيات الإسلامية، مثل كتابات إبن عربي، وقصة الإسراء والمعراج، و "كتاب المعراج" لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري.
  3.     جاء في الفصل 3 "فأحاط بالعذراء نور شديد التألق، وولدت إبنها بدون ألم"، وهي فكرة ظهرت أول ما ظهرت في فلسفات المسيحيين على يد توما الإكويني (1225-1274م) (راجع هنا).
  4.     جاء في الفصل 152 "ففي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غُسِلَت لتُملأ ثانية خمراً". مما يكشف أن الكاتب لا يعلم أن استخدام البراميل الخشبية لحفظ الخمر (والمياه) لم ينتشر في الإمبراطورية الرومانية إلا في بلاد الغال (فرنسا وبلجيكا الآن) وشمال إيطاليا منذ عام 300م. أما في فلسطين في القرن الأول الميلادي، فكانت الخمر تُحفَظ في الأجران (فخارية أو حجرية) amphorae أو في الزِقاق الجلدية (راجع هنا وهنا). لو كان برنابا المزعوم معاصراً للأحداث في القرن الأول الميلادي فعلاً، كيف يقع في خطأ فادح كهذا؟ جدير بالذكر أن بشائر الكتاب المقدس الحقيقية تذكر هذه التفاصيل الدقيقة صواباً، إذ قال المسيح في (متى 17:9) "وَلاَ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَنْشَقَّ الزِّقَاقُ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعًا"، وفي (يوحنا 2:6) "وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً".



وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ.
(يوحنا 32:8)




الكتاب المقدس – هل من منافس؟ التحريف: شبهة وهمية 4: قصة القيامة


جملة افتراءات على قصة القيامة. قال المعترض:


1.      ما عدد النساء اللائي ذهبن إلى القبر؟ جاء في (مرقس 2:16) أن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة أتين القبر، أما في (يوحنا 1:20) فالآتية واحدة.
2.      متى وصلت النسوة إلى القبر؟ عند طلوع الشمس (مرقس 2:16) أم والظلام باقٍ (يوحنا 1:20)؟
يغفل المعترض – عمداً او سهواً، لا اعلم –  أن البشائر الأربعة تذكر زيارتين متتاليتين للقبر الفارغ لا زيارة واحدة، ذكر متى الثانية منهما في اصحاحه الـ28  ويوحنا في اصحاحه الـ20 (وهي التي ظهر يسوع فيها للمجدلية ومريم الأخرى، وان ركز يوحنا في روايته على المجدلية وحوارها مع المسيح القائم وفق السياق اللاهوتي العام لبشارته)، بينما شملت الزيارة الأولى (المذكورة في مرقس 16 ولوقا 24) مجموعة المريمات كلها. ومن هذا المنطلق يظهر صدق الروايات أن الزيارة الأولى كانت بينما الظلام باق (يوحنا 1:20) والزيارة الثانية كانت بعد طلوع الشمس (مرقس 2:16).
3.      حسب (متى 1:28-2) جاءت المرأتان إلي قبر المسيح فحدثت زلزلة عظيمة تبعها نزول ملاك الرب من السماء ودحرجته الحجر عن القبر، ثم جلس الملاك على الحجر. لكن حسب (مرقس 1:16-2) كان نزول ملاك الرب قبل حضور النسوة، كما دحرج الحجر قبل حضورهن أيضاً فلما جاءت النسوة وقت طلوع الشمس وجدن أن الحجر قد دحرج عن القبر.
4.      متى تم دحرجة الحجر؟ عند وصول النسوة (متى 1:28-5) أم قبل وصول النسوة (لوقا 1:24-2)؟
يستخدم الأصل اليوناني الفعل "نزل" katabas في زمن ااـ aorist، والذي يصف "الماضي في الماضي" (راجع هنا)، وترجمته حرفاً "كان قد نزل"! وهو المعنى الذي ذهبت إليه بعض الترجمات الإنجليزية، مثل NASB، حين كتبت:

And behold, a severe earthquake had occurred, for an angel of the Lord descended from heaven and came and rolled away the stone and sat upon it.


أي أن نزول الملاك وما إلى ذلك، حسب رواية متى البشير، كان قد تم قبل مجئ المريمات. فلا تناقض!
5.      هل رأت المجدلية ملاكاً واحداً عند القبر (متى 2:28 ومرقس 5:16) أم ملاكين (يوحنا 12:20 ولوقا 3:24)؟
كتب متى البشير أن "مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ" (2:28)، وكتب مرقس أن المريمات "رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا" (5:16)، وسجل لوقا "إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ" (4:24)، ويوحنا يروي أن مريم "نَظَرَتْ مَلاَكَيْنِ" (12:20). تتكامل روايات الأربع بشائر، اذ يذكر متى ومرقس الملاك المتكلم فقط، بينما يذكر لوقا ويوحنا الملاكين الحاضرين كليهما بغض النظر عن المتكلم.
6.      مَن هو أول من ظهر له المسيح  بعد قيامته؟ بطرس ثم الإثنى عشر (1 كورنثوس 5:15) أم المجدلية (مرقس 9:16)؟
نلاحظ أن المعترض لم يورد نص (1 كورنثوش 5:15) صراحة، لأنه لو فعل، لسقطت حجته تماماً. النص صريح واضح (الآيات 3 إلى 7): "فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ ­ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ­ ظَهَرَ لِي أَنَا."! واضح جداً أن بولس الرسول انما يقرر عدة حقائق ايمانية سلمها لمن يخاطبهم، ولا يسرد وقائع او احداث. هل لأنه لم يذكر الميلاد يكون مناقضاً لرواية ميلاد المسيح؟ هل لأنه لم يذكر صعود المسيح للسماء يكون مناقضاً لرواية الصعود؟
7.      أين ظهر المسيح لمريم؟ عند القبر (يوحنا 1:20-18) أم في الطريق وهي تهرول راكضة (متى 1:28-10)؟ والغريب في رواية يوحنا أن مريم اشتبه عليها المسيح بعد تلك الصحبة الطويلة حتى ظنته أنه البستاني.
فسر المعترض قول متى البشير: "انْطَلَقَتِ الْمَرْأَتَانِ مِنَ الْقَبْرِ مُسْرِعَتَيْنِ، وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمَا خَوْفٌ شَدِيدٌ وَفَرَحٌ عَظِيمٌ، وَرَكَضَتَا إِلَى التَّلاَمِيذِ تَحْمِلاَنِ الْبُشْرَى. وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُبَشِّرَا التَّلاَمِيذَ، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ الْتَقَاهُمَا" على أنه يعني "ظهور المسيح لمريم كان في الطريق وهي تهرول راكضة لتبشر التلاميذ"، وبناء على هذا جعل رواية متى مناقضة لرواية يوحنا. بينما النص اليوناني يستخدم لفظة eporeuonto والتي تفيد فقط الانصراف من المكان، كما يظهر المعنى اكثر وضوحاً في النص بالانجليزية:

And as they went to tell his disciples, behold, Jesus met them




فمن أين أتى بـ "في الطريق وهي تهرول راكضة"؟!
ثم يعترض قائلا: "والغريب في رواية يوحنا أن مريم اشتبه عليها المسيح بعد تلك الصحبة الطويلة حتى ظنته أنه البستاني". بغض النظر عن الخلفية اللاهوتية لتلك الواقعة، اسأل سؤالاً: أيهما أقرب الى عقل انسان في مثل موقفها، أن يكون مخاطبها البستاني، أم يسوع الذي رأته ميتاً وتزور قبره في تلك اللحظة؟!



8.      هل آمن التلاميذ ومن معهم بقيامة المسيح قبل عودة تلميذي عمواس (لوقا 13:24-35) أم لم يؤمنوا (مرقس 9:16-13)؟
في لوقا 24، القائلون "إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!" (آية 34) ليسوا "الأَحَدَ عَشَرَ" إنما هم "الَّذِينَ مَعَهُمْ"،  (آية 33)، وكانوا يخبرون مَن لم يروا المسيح القائم بعد مِن المجتمعين بالقيامة، إذ لم يكن الأحد عشر مصدقين، بدليل توبيخ المسيح لهم في الآيات (38-40) " مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي". وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ."ورغم وجوده أمامهم، يذكر لوقا البشر أنهم كانوا: "غَيْر مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ".
يتفق خبر لوقا مع القول بظهور المسيح للمجدلية أولاً (وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ مرقس 9:16) و (يوحنا 20)، ثم مع ما يسرده مرقس عن المجدلية "فَذَهَبَتْ هذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ أُولئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا" (10:16-11). ثم يكمل مرقس بذكر تلميذي عمواس، وكيف رفض بقية التلاميذ تصديقهما أيضاً حين عادا إلى أورشليم (الآيتان 12 و13)، وكيف أن المسيح "ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ" (الآية 14).



9.      ناقض متى نفسه في (5:28-9)، حيث حكى في أول الرواية عن الملاك، أن المسيح سبقهم عقب قيامه من قبره إلى الجليل، ولا يرونه إلا هناك، وبذلك بلغ مريم ورفيقتها، وأمرهما بأن يبلغا التلاميذ، ثم نقض ذلك بقوله أن المسيح لاقاهما واعطاهما السلام، وهذا يدل على أن الملك الذي كلمهما كاذب في وحيه لهما، فإن قالوا: إن رؤيته بالجليل مختصة بالتلاميذ فقط ، وعلى هذا فلا تعارض في الرواية، فنقول: إن صريح العبارة دال على أن مطلق الرؤية لا تكون إلا في الجليل، وذلك مأخوذ من قوله: " وَهَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ، هُنَاكَ تَرَوْنَهُ".

يفسر المعترض النص وفق هواه على أن "صريح العبارة دال على أن مطلق الرؤية لا تكون إلا في الجليل"، وهو تفسير مفتعل لا اعلم من أين له به، إذ ليس في النص أدنى ايحاء بذلك المعنى. الآيات ببساطة تعني أن رؤية المسيح بالجليل متعلقة بالتلاميذ، فلا تعارض في الرواية. أما التفسير، فهو محاولة من المعترض لزيادة عدد اعتراضاته!

- يتبع -