الأحد، 25 ديسمبر 2011

ردٌ مسيحيٌ على د. ياسر برهامي





قال د. ياسر ضمن ما قال:

الحب عمل قلبي وليس سلوكي... البغضة عمل جوه القلب.

هنا جوهر الاختلاف في النقاش الدائر في الفيديو المعروض، ما بين القس المسيحي ود. ياسر برهامي القطب السلفي. وهذه محاولة مني، كمسيحي، لايضاح جذور الاختلاف بين الطرفين، باعطاء لمحة سريعة عما يؤصله ايماني المسيحي في قضية البغضة والمحبة والضمير والسلوك...

 فبينما يدعو د. ياسر الى "تلوين" السلوك الخارجي بالوان مقبولة مجتمعياً، كالعدل وحسن الجيرة وصون الحقوق، على ان يبقى قلب الانسان مسموماً بالبغضة، ولا يجد د. ياسر حرجاً من ذلك الانفصام ما بين ما يُضمَر وما يُعلَن، يعلمني ايماني المسيحي ان الشعور الداخلي والسلوك الخارجي وجهان لعملة واحدة:

لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ (المرء) فِي نَفْسِهِ هكَذَا هُوَ. (امثال 7:23)

يعلمني ايماني المسيحي ان سلوك الانسان ما هو الا انعكاس ونتاج بواطن قلبه وضميره:

اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ.

(متى 35:12)

صديقي د. ياسر، كيف لانسان ان يضمر البغضة بداخله دون ان يتأثر بها كيانه كله ومقومات شخصيته كلها؟ أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلاَ تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ (امثال 27:6) انت، مثلي، طبيب. الا تعلم ان العوامل النفسية تؤثر حتى في الوظائف العضوية للجسم Psychosomatic disorders ؟ فكم بالاحرى اذاً تؤثر العوامل النفسية (كالبغضة) في بعضها (ضبط وتوجيه السلوك)؟

وبينما يقتنع د. ياسر ان القلب ببواطنه لا يؤثر في سلوك الانسان، يعلمني ايماني المسيحي عكس ذلك تماماً! اذ يحذرني وينبهني:

فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ.

(امثال 23:4)

 وحتى على المستوى الانساني، دون أي توجيه ديني، لا يختلف اثنان على ان النفاق، تلك الخصلة المذمومة، هو اظهار المرء خلاف ما يبطن. والتزاماً بوصايا ايماني المسيحي، لا استطيع ان انافقك فاظهر لك سلوكاً خلاف ما ابطن لك، لأن كتابي المقدس يعلمني ان نفاقي لك هو خراب لشئونك:

بِالْفَمِ يُخْرِبُ الْمُنَافِقُ صَاحِبَهُ. (امثال 9:11)

كيف يا د. ياسر يجني الانسان سلوكاً خارجياً خلاف ما زرعه قناعات قلبيةً؟! يعلمني ايماني المسيحي:

هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. (متى 16:7-18)

‏اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّدًا، أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا، لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ.

(متى 33:12)

وهكذا، يظهر كيف يجب عليّ كمسيحي ان اظهر لك سلوكياً نفس ما ابطنَِه لك قلبياً.

وماذا ابطن لك؟ جوابي هو جواب التساؤل الذي طرحته انت:

هل استطيع ان افرض عليك ان تحب انساناً بعينه او طائفة بعينها؟

لا حاجة اصلاً ان تفرض ذلك عليّ! بل أن ايماني المسيحي اوصاني بالمحبة للجميع دون استثناء! بل جعل ايماني المسيحي تلك المحبة متصلةً اتصالاً مباشراً بايماني وحبي لله!

‏مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.

(1 يوحنا 9:2-11)

مَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. إِنْ قَالَ أَحَدٌ:"إِنِّي أُحِبُّ اللهَ" وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟‏ وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا.‏

 (1 يوحنا 8:4، 16، 20-21)

ومَن هو اخي؟ حدده لي ايماني المسيحي حين اورد في الكتاب المقدس واقعة الرجل اليهودي الذي اراد ان يختبر السيد المسيح، فسأله نفس السؤال:

"يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟" فَقَالَ لَهُ:"مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟" فَأَجَابَ وَقَالَ:"تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ". فَقَالَ لَهُ:"بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا". وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَاَلَ لِيَسُوعَ: "وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟"

فقص عليه السيد المسيح قصة رمزية لانسان يهودي كان مسافراً، فوقع بين لصوص سطوا عليه وتركوه بين حي وميت، وبات ملقياً هكذا حتى مر به رجل سامري – والسامريون كانوا حينذاك الد اعداء اليهود وكان اليهود يعتبرونهم انجاساً ضالين فلا يبادلونهم حتى الحديث – فضمد السامري ذاك جراحه واعتنى به في فندق على نفقته الخاصة. وكانت وصية المسيح الاخيرة للرجل اليهودي الذي ساءله – ولي انا المسيحي: اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا (الواقعة كلها في لوقا 25:10-37).

نعم يا د. ياسر، قريبي واخي الذي يلزمني ايماني المسيحي بمحبته كمثل محبتي لنفسي هو كل انسان، حتى مَن يعتبرني كافراً او نجساً او ضالاً ويضمر لي البغضة وقد يحرَّم حتى ان يسلّم عليّ او يهنئني بعيدي!

انا ابغض من يدعي ان الله عز وجل هو انسان بعينه ونزل وقُتِل وصُلِب في هذه الارض. انا لا استطيع غير  ذلك.

دون الدخول في مهاترات عقائدية لا متسع لها هنا الآن، اقول لك: نعم، مجمل ايماني يعلن لي الهاً: يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا (2 كورنثوس 2:2)، ولا استطيع ان اؤمن بغير ذلك. فانت تبغضني اذاً يا دكتور. وتقول انك لا تستطيع غير ذلك، بل وترى تلك البغضة واجباً تجاه ربك واخلاصاً لدينك. اما انا، فواجبي تجاه ربي والتزامي بوصايا مسيحيتي يتطلبان مني تنفيذ الوصايا الآتية:

سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.

(متى 38:5-44)

وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا.

(لوقا 32:6-33)

فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ".‏لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.

(رومية 20:12-21)

تعلن بسهولة، صديقي د. ياسر، انك تبغضني، ولا ترى حرجاً من تلك البغضة، ولا تجد اشكالاً في تقرير ان الحياة السوية ممكنة في وجود البغضة. اما انا، فيعلمني ايماني المسيحي ان:

اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ، وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ. (امثال 12:10)

نعم حتى وانت، بالنسبة لي، غير مؤمن. فانا ارفض عدم الايمان، لكنني لا ارفض غير المؤمن! كيف ارفض وابغض غير المؤمن، ومقياس ونموذج المحبة الذي احتذيه هو:

وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.

(رومية 8:5)

نعم يا د. ياسر، انت تبغضني، لكن ايماني المسيحي يجعلك في نظري قريباً لي واخاً احبه كنفسي. وليس ذلك الحب بالقول، فما اسهل القول، انما هو حب عامل باذل، حدده لي الكتاب المقدس في الآتي:

بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟‏ يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!

(1 يوحنا 16:3-17)

فقد انحنى السيد المسيح وغسل ارجل تلاميذه من تراب الطريق، ثم اوصاني:

فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ.

(يوحنا 14:13-17)

واخيراً اختم بقول المسيح لكل مَن له اذنان للسمع:

وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ. (يوحنا 32:8)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق